زادت وسائل الإعلام الإسرائيلية في الأيام الأخيرة من أحاديثها حول ما اعتبرته انسحابًا إيرانيًا من الأراضي السورية، لكن سرعان ما تبين أن هناك الكثير من المبالغات في الحديث الإسرائيلي عن الانسحاب الإيراني من سوريا، رغم حديث "المسؤول الأمني الكبير" الأخير خلال إطلاعه الصحفيين العسكريين، بأنه للمرة الأولى يقوم "الحرس الثوري الإيراني" بإخلاء قواعده في سوريا، وإخراج قواته من هناك.
لكن ذات الإعلام الإسرائيلي بدأ بالتراجع رويدا رويدا عن هذه السيمفونية، واعتبار أن ما حصل قد يكون خطأ في التصريح الإسرائيلي المنسوب ضمنا إلى وزير الحرب الذي سيغادر موقعه قريبا "نفتالي بينيت"، ولذلك دفع الاندفاع الإسرائيلي لتفاخر ذات المسئول الأمني بالمبالغة فيما كان يحدث في الواقع، ودفع الصحفيين لنشر نصف الحقيقة التي تضلل الجمهور الإسرائيلي فقط، وهو ما كان غير ضروري على الإطلاق.
اليوم يبدو الأمر بحاجة للقليل من تنظيم النقاش الإسرائيلي، صحيح أن الإيرانيين يقومون فعلاً بتغيير في سلاح فيلق القدس وحزب الله وميليشياتهم التابعة لإيران، وقد غادر 150 من رجالهم مؤخرًا بعض مقارهم في مناطق مختلفة من سوريا، دون أن يعني انسحابا كليا من الأراضي السورية.
ربما يتناول الحديث الإسرائيلي نقاطًا إيرانية هاجمها الجيش الإسرائيلي مرات عديدة، مما اضطر الإيرانيين لتخفيض ترتيب قواتهم في سوريا، وانتقلوا في الوقت نفسه إلى قواعد أبعد في شمال البلاد.
يرصد الإسرائيليون سببين رئيسين لهذه التحركات العسكرية الإيرانية: الأول البحث عن الاختباء في الأماكن التي يصعب فيها تشغيل القوات الجوية الإسرائيلية، ولا يمكن الوصول إليها بواسطة الصواريخ من الأرض، السبب الثاني تراجع حدة القتال في سوريا بشكل كبير منذ اتفاق وقف إطلاق النار التركي الروسي في محافظة إدلب.
وهكذا تم تحويل التركيز الإيراني مؤخرًا إلى الجانب العراقي من الحدود مع سوريا، حيث منطقة الأنبار، وتتمركز قواتهم العسكرية ومجموعاتهم المسلحة هناك، بعد أن عملوا ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الأشهر الأخيرة، مما قد يشير إلى أن هذه المنطقة تهدف لتكون بمثابة العمود الفقري الصلب للقوات الإيرانية في سوريا.
في الوقت ذاته، بدا أن المسئولين الإسرائيليين في تل أبيب والأمريكيين في واشنطن، كانوا غاضبين من تفاخر ذات "المسؤول الأمني الإسرائيلي الكبير"، لأن المعطيات المتوفرة لدى أجهزتهما الأمنية والعسكرية تؤكد انه لا يوجد تغيير في الاتجاه الإيراني لاستخدام سوريا كمحطة قصف صاروخي ضد إسرائيل، وخط أنابيب لنقل الأسلحة إلى حزب الله.
صحيح أن الإيرانيين قاموا بتطهير المقاتلين التابعين لهم من الخطوط الأمامية من جهة، لكنهم من جهة أخرى لم يغيروا الخطة الاستراتيجية على الإطلاق، ويمكن قولها بشكل معتدل، أن الأمريكان لم يعجبوا بالسلوك الصادر عن تل أبيب.