فلسطين أون لاين

خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)

دثريني.. دثريني..

هنا كانت بداية الطريق الوعرة، التي أصرت هذه المرأة القدوة على السير فيها، لم تتردد حين قال ابن عمها ورقة بن نوفل: "لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي".

دثَّرته، وطيَّبت خاطره، وصدقته، وشدت من أزره، وقاسمته الأذى والعبء الثقيل، ويا ليت الثِّقل نتج عن المسؤولية العظيمة وحدها، لهان الأمر؛ فهناك السَّاخرون والمكذِّبون والحُسَّاد والمنافقون والمتربِّصون ... فالمعركة بين الحق والباطل أزلية أبدية لا تتوقف عند حد، ولا بُدَّ لأهل الحق أن يُعانوا، ويتألموا، فيصبروا ويثبتوا حتى يأتي أمر الله وينصر أهله وخاصته، وهنا سطع نجم الزوجة الصالحة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد.

25 عامًا أمضاها رسولنا الكريم برفقتها كانت له خير متاع، حتى قال عنها (صلى الله عليه وسلم): "إني رُزقت حُبَّها"، يجدها دائمًا إلى جانبه، تلاحظ ما يعانيه، فتخفف عنه الهموم، وتنير له الطريق برأيها، لم تكن مجرد زوجة وأم للأبناء يعيش معها حياة هانئة مستقرة، بل كانت وزيرة صدق ومشورة.

عندما أخبرها بخبر غار حراء قالت له: "أبشر، فوالله لا يخزيك أبدًا ..."، وكانت أول من آمنت بدينه من النساء، وإذا عاد إليها مكروبًا من تكذيب وأذى المشركين له، ثبَّتته، وخفَّفت عنه، وهوَّنت عليه، فكانت خديجة من أول وأقوى الدعائم التي أعانت على نشر الإسلام ونُصرته، صدَّقته حين كُذِّب، وساندته حين عودي، وحثَّته على التقدم دون أن تحسب للأذى الوشيك أي حساب، لم تُفكر بنفسها أو الأموال والأبناء وأمور الدنيا ... قط، بل نذرت نفسها لتسانده في أداء هذه الرسالة العظيمة التي أوكلت له.

انتقلت برفقته بعد نزول الوحي من حياة الرفاهية والاستقرار إلى حياة الدعوة والجهاد، والاضطهاد والحصار، فازدادت حبًّا له وتمسكًا به، دون أن تتراجع. وعندما طُلقت ابنتاها رقية وأم كلثوم من زوجيهما الكافريْن نكاية بالرسول، وعندما حوصرت مع زوجها والثُّلة المؤمنة في شِعَب أبي طالب في المقاطعة الظالمة، وجاعت مع من جاعوا، وعانت مع أنها على مشارف الستين من العمر؛ لم تفكر بالتراجع عما نذرت نفسها له، مهما كانت ضريبته باهظة الثمن.

ومن شدة الضنك الذي عاينته، توفيت بعد انتهاء المقاطعة مباشرة.

وبقيت تتربع على عرش قلب نبي الأمة حتى بعد وفاتها، فكان يُكثر ذكرها، ويكرم أقاربها، ويتصدق على صويحباتها، إلى درجة حدت بعائشة (رضي الله عنها) أن تغار منها، مع أنها لم ترها.

فأين نحن اليوم من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد؟!، أثق أن هناك نساء صالحات ما يزلن بيننا، يشاركن أزواجهن في أجر الجهاد، بصبرهنَّ وثباتهنَّ ونصرتهن للحق.