فلسطين أون لاين

غزة.. هل تترك لتواجه مصيرها وحيدة في مواجهة جائحة كورونا؟

موجات متتابعة من النكبات عصفت بغزة وأهلها.. حصار وحروب وصراعات ومناكفات سياسية كادت أن تُفقد المدينة العريقة الباسلة مقومات الحياة.. (13) عامًا من الانقسام والحصار التام.. عشرات الآلاف من النخب والكوادر هاجرت.. رؤوس الأموال تبخرت.. مدخرات الناس بكل أنواعها تآكلت حتى لم يعد هناك ما يمكن تسميته بالأغنياء في مجتمع استنزفت موارد الجميع فيه شركات وأفراد وتهالكت بناه التحتية كافة.

منذ بدء انتشار جائحة كورونا يقف أبناء غزة حيارى بين الموت من المرض أو الموت جوعًا في مفارقة عجيبة وضعت الجميع أمام الخيار الصعب.. لا القطاع الخاص الذي أكثر من نصف شركاته مديونة ومعظم الباقين رأسمالهم تآكل حتى النخاع.. والناس لم يعد لديها أي مدخرات أو موجودات قابلة للتحويل ليعتاش منها الناس لو جلسوا في بيوتهم كما يطالب خبراء الصحة.

أما قطاع المقاولات الذي وصل أو كاد يصل للهاوية نتيجة للخسائر المتلاحقة التي تعرض لها وحرمانه في ظل المناكفات السياسية من حقوقه الطبيعية والقانونية سواء في الإرجاع الضريبي الذي تجاوز (50) مليون دولار أو من وسائل الظلم والاجحاف والإهمال الذي تعرضوا له في السنوات العجاف الـ(13) السابقة حتى أصبح جزء كبير منهم مطاردًا لعدم قدرته على تسديد التزاماته للغير أو ليس لديه القدرة على توفير مصاريف بيته إلا قليلًا منهم.

 في ظل هذه المأساة والبؤس المهيمن على غزة وأهلها بكل شرائحه ترى إهمالًا متعمدًا وفي أحسن الأحوال إلقاء الفتات لها ذرًا للرماد في العيون.. حتى تشعر وكأن غزة متروكة دون راعٍ يحفظ الحد الأدنى من مقومات الحياة.. بل يسيطر عليك إحساس بأنها خارج الحسابات على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.

 جاءت جائحة كورونا ربما لتكون من يسدل الستارة نهائيًّا وتكمل فصول تراجيديا البؤس في غزة.. نشاهد الجميع فاقدًا القدرة على التوازن رغم كل المحاولات لتوفير الموارد لتعزيز المناعة الوطنية ومساعدة الفقراء والمحتاجين في ظل توقف الأعمال.. إلا أن القطاع الخاص نفسه لا يمتلك موارد تذكر، فكيف سيكون بمقدوره مهما حاول أن يساهم بجزء ولو يسيرًا في التخفيف عن معاناة أهالي غزة.. الذين أغلبهم إن لم يعمل لن يجد لقمة العيش لأبنائه فلا مدخرات بقيت ولا أحد قادر على المساعدة.. الجميع تبخرت موارده بلا استثناء إلا من رحم ربك وهم قليل جدًّا.

أليس من حق غزة أن تتساءل لماذا تركت وحيدة من الأهل والأشقاء وأين هي في برامج الحكومة الفلسطينية؟ وهل هناك خطة أو جهد مبذول من كل الجالسين على عرش معاناتنا ومأساتنا بل وجماجمنا لإنقاذ غزة وتوفير الدعم والمساندة لها.. وهنا أنا لا أستثني أحدًا من السياسيين والأغنياء الفلسطينيين في العالم ولا الأشقاء العرب وكذلك أدعياء القيم الإنسانية في بلاد العم سام.

منذ إعلان فخامة الرئيس/ محمود عباس حالة الطوارئ والإجراءات التي قامت بها الحكومة للوقاية من انتشار فيروس كورونا الخطير.. كنا من المبادرين لدعم هذا التوجه على عجالة.. ولكن وبعد ما يزيد على شهر وجدنا أن غزة لا تستطيع أن تصبر لأن جيوبها على مدار (13) عامًا أفرغت تمامًا فكيف تصمد ومن يعيل الأسر التي تحصل على لقمة العيش يوم بيوم.. الحيرة والخوف على مستقبل غزة دفعتني لأصرخ وأعتذر إذا كنت أسأت لأحد في ثورة الغضب من مشاهداتي وإحساسي بهم وحيرتهم وهم يتدافعون بين خيارين كل منهما قاتل.. كورونا والجوع.

سمعنا عن مبالغ كثيرة خصصت لفلسطين لمواجهة جائحة كورونا من جهات مختلفة (137) مليون دولار حسب ما أعلم وربما هناك أشياء أخرى لا أعرفها أو لم يعلن عنها بعد.. والسؤال الموجه لدولة رئيس الوزراء الدكتور/ محمد اشتية هل هناك برامج وأموال مخصصة لغزة وأهلها لمساعدتهم من هذه الأموال؟

والسؤال الأغرب أين معالي الوزراء المحسوبين على غزة؟ وماذا فعلوا وقدموا لأهلها؟ ولماذا لم نسمع صوتهم ولو خافتًا لشرح ما ستقوم الحكومة به من خطط لدعم غزة؟ وهل طالبوا بذلك أم ليس هناك ما يقولونه فعلًا فلزموا الصمت القاتل؟ نحن نحتاج لإجابات وبرامج معلنة وحقيقية وشفافة تخرجنا من حالة الصدمة التي نعيشها ونحن نرى غزة وحيدة في ظرفها الخاص وغير المسبوق.

وهنا أيضًا علينا أن نتعلم الدروس والعبر من هذه الجائحة وآثارها الاقتصادية وفي مقدمتها تعزيز الإنتاجية الزراعية والصناعية وصياغة شبكات حماية للقطاع الخاص بصناديق حكومية حيث التجربة تؤكد أن انهيار القطاع الخاص يترك الحكومة وحيدة لتتحمل المسؤوليات الوطنية.. الأمر الذي يتطلب تحول التفكير باتجاه الشراكة الكاملة بين الحكومة والقطاع الخاص وصياغة موحدة لبرامج التنمية وخطط النهوض بالاقتصاد.. ليكون القطاع الخاص في الأزمات الشبكة الواقية للمجتمع والحكومة معًا.. كما حدث على مدار سنوات طويلة في غزة منذ الحصار عام (2007) قبل وصول القطاع الخاص في السنتين الأخيرتين إلى وضع لا يستطيع فيه المساعدة.

 كما يجب أن نتعلم كيف نحافظ على كوادرنا البشرية من النخب وتوفير كل التسهيلات لإعادة المغادرين للخارج.. وأقول هنا وأنا لست من أصحاب النظريات كما يفعل من يدّعون بأنهم خبراء فإن واجبنا أن نعيد صياغة المنظومة الفلسطينية في الداخل والخارج لتعزيز القدرات بشكل عام والتحرك الاستثماري بما يخدم مصالح شعبنا أينما وجد.. وكذلك التحرك المنسق في الأزمات لدعم أي فئة من شعبنا تمر بأزمة.

نعم الجميع يقول بأن العالم بعد كورونا لن يكون كما قبلها.. ونحن إذا لم نستوعب الدرس ونحصن بناءنا بعيدًا عن المصالح الشخصية والفئوية والحزبية وإلخ، فإننا لن نستحق أن نتمنى إلا هذا الوطن الجميل أو نكون جزءًا من الشعب الفلسطيني البطل والمعطاء.

والله من وراء القصد