تفاجأ العالم بفيروس صغير جدًّا منذ شهرين تقريبًا ولا زال يفاجئ ويُحيّر العالم والعلماء معًا بقدرته على التَغيّر والتَحوّر السريع، وهو الذي لا يُرى إلا بالمجهر، ولم يتفاجأ العالم ودعاة الحرية والأنسنة والديمقرطية بحجم الجرائم والوحشيات التي نشأ عليها الاحتلال وكيانه الغاصب، وما زالت جرائمه مستمرة متعدِّدة ومتنوعة معًا.
نشأت (دولة الاحتلال) نشأة غريبة على نشأة الأمم والحضارات برعاية غريبة لنظم (التوحّش والاستبداد) وداعمة للظلم والطغاة والديكتاتوريات، ولنهب ثروات الشعوب والمقدرات.
باريس العاصمة لفرنسا التي رسخت (دولة التوحش الصهيوني) في المنطقة العربية وعلى أرض فلسطين الطاهرة المباركة خاصة، وأمدّته بأول منشأة نووية للاحتلال للمحافظة على تفوّقه في الإجرام، واستمرار أخلاق التوحّش.
قبل أيام احتار الفرنسيون وعلماؤهم عن كيفية تسلّل (فيروس الكورونا) إلى حاملة الطائرات الفرنسية الوحيدة في فرنسا -شارل ديجول- وأصاب عشرات البحارة، وهي منذ شهر لم يدخل إليها أو يخرج منها أحد، وهي في أعالي البحار، ونسوا قوة الواحد القهار!!
وقبل ذلك استضافت باريس ذاتها مفاوضات الاحتلال مع وفد منظمة التحرير الفلسطينية -كتلة من الشعب الفلسطيني- وجرَت مفاوضات بشأن الوضع الاقتصادي وحقوق الشعب الفلسطيني على مقدراته الاقتصادية ومعابره وضرائبه وبضائعه والجوانب الحياتية للشعب الفلسطيني واحتياجاته، وهو المنهك من الاحتلال وظلمه وطغيانه، وفيها وقّع الطرفان -الاحتلال وممثل منظمة التحرير- الاتفاق الاقتصادي الشهير الذي عُرِف وسُمّيَ لاحقًا باتفاق باريس الاقتصادي.
تفنَّن الاحتلال في إخضاع المفاوض الفلسطيني لشروط الاحتلال في بيئة سياسية وإدارية داعمة للاحتلال وكيانه السياسي ومُمولة لنشأته السياسية وبانية لقوته العسكرية، ومساندة لوحشيّته الإجرامية، فكان مما تضمّنه الاتفاق آليات استيراد أصناف السلع والمواد الغذائية كالسكر والأرز والزيوت والبقوليات كالفاصوليا والعدس وغيرها.
خلال اطّلاعي ومراجعاتي لفصول وجداول القوائم وتصنيفاتها لا سيّما (القائمة أ/ ٢) وفقًا للمادة الثالثة بند ٢ أ، وبطبيعة الحال سندًا للاتفاقية المرحلية الموقعة في واشنطن التي هي سند للاتفاق الإطاري للسلام في الشرق الاوسط عام ١٩٧٧م، وجدنا تصنيفًا مهمًا للعدس!!
العدس الذي يجب استيراده وكمياته والمنصوص عليها في الاتفاقية يشمل (العدس بقشرة والعدس بدون قشر أو المجروش)، وهكذا تفاصيل تنسحب على الفاصوليا بأنواعها وأصنافها، والقهوة بأنواعها وأصنافها المحمصة وغير المحمصة، والمطحونة وغير المطحونة والمضاف لها كافيين أو غيره،، إلخ.
يستغرب العالم الغربي قدرة فيروس كورونا على التسلل رغم الموانع والحواجز والاحتياطات، ولا يستغرب حرمان الشعب الفلسطيني من أبسط حقوقه الاقتصادية، أو ينتبه لحجم الصلف والوحشيات التي مارستها دولة الاحتلال وداعميه كفرنسا مثلا!!
يستهجن العالم (المتحضر) من قدرة فيروس الكورونا على التغيّر والتحوّر والتسلل ولم يعتبروا للحظة إنسانية واحدة يعودون فيها لرشدهم الإنساني أو تتسلل لضمائرهم قدرة الخالق البارئ ويسترجعون إنسانيتهم المفقودة والمعطلة.
يندهش العالم (المتمدِّن) من الفيروس وقدرته على القضم والهضم من وحشيتهم الشنيعة التي أقاموها وشيّدوا لها منظمة سموها - الأمم المتحدة - ولم يحافظوا على شيء من مبادئها وقيمها، ويعينوا الشعوب الواقعة تحت الاحتلال للتخلص منه وحقه في تقرير المصير، ويستكثروا بعضًا من صور الامتحان لعجزهم المصطنع عن رفع الظلم وإقامة العدل.
لا يحتار العالم (المتمدّن) في الوصول للحقيقة الظاهرة والضخمة وتُرى بالعَيْن والبالغ مساحتها (سبعة وعشرون ألف كيلو متر مربع ويزيد واسمها فلسطين) وهي أقرب إليه من حبل الوريد، وظنّي أن فيروس كورونا هو رسول أمين من رب العالمين، ليشهد هؤلاء الظالمين على عجزهم وضعفهم المبين، وتقاعسهم وانحرافهم عن نصرة الحق والعدل والمظلومين.