فلسطين أون لاين

السلطة المضيفة والسلطة الأم

تتعدد المسميات والمصطلحات في التشريعات والمعاهدات والوثائق وفي الحالة الفلسطينية على خلاف كبير مع غيرها من التشريعات لدى الدول والنظم السياسية الأخرى, ونُقر بأن هذا التعدد له ارتباط بالحالة الوطنية الفلسطينية وظروفها لتعاقب الإدارات السياسية على فلسطين - إدارة واحتلالا- بعد العهد العثماني ثم الاحتلال الإنجليزي ثم الاحتلال الإسرائيلي ثم الإدارة الأردنية على الضفة الغربية والقدس, والإدارة المصرية على قطاع غزة ثم الاحتلال الإسرائيلي عقب حرب 1967م, واحتلال باقي الأراضي الفلسطينية (القدس والضفة الغربية وقطاع غزة)، وأخيرا قيام ونشأة السلطة الفلسطينية.

بحكم تنوع المواقع التي سبق لي أن شغلتها, وسبق رئاستي لديوان الفتوى والتشريع واطلاعي ومتابعتي لهذه التشريعات, وتكوين حصيلة مهمة منها إلا أنه قد فاجأني مصطلح (السلطة المضيفة والسلطة الأم) بصورة استدعت ضرورة التدقيق والتحقيق ولزومهما.

    المصطلح ورد وتكرر استعماله في اتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة عام 1994م التي جاءت بموجب معاهدة السلام الموقعة عام 1993م, ووردت تحديدا في البندين (22 و 23) من الاتفاقية على النحو الآتي:

أولا: البند (22) فقرة "ج" نص على أن: البنك الذي يرغب في فتح فرع أو شركة تابعة له عليه التقدم بطلب (للسـلطة المضيفة) بعد أن يحصل أولا على موافقة (السلطة الأم)، والسلطة المضيفة ستبلغ السلطة الأم بشروط الرخصة, وستعطي موافقتها النهائية ما لم تعارض السلطة الأم ذلك.

ثانيا: البند (22) فقرة "د" نص على أن: السلطة الأم ستكون مسؤولة عن الرقابة المُحكمة والشاملة على البنوك, بما في ذلك فروعها وشركاتها التابعة في المناطق الواقعة تحت ولاية السلطة المضيفة وتوزع مسؤولية الإشراف بين السلطة المضيفة والسلطة الأم.

ثالثا: البند (22) فقرة "هـ" نص على أن: السلطة المضيفة ستفحص بانتظام نشاطات الفروع والشركات التابعة في المنطقة تحت ولاياتها, وسيكون للسلطة الأمم الحق في الفحص داخل الفروع والشركات التابعة في منطقة السلطة المضيفة, ومع ذلك ستكون مسؤوليات الإشراف للسلطة الأم تجاه الشركات التابعة وفقا لميثاق بازل.

بالتدقيق في الإطار القانوني للاتفاقية وما يتفرع عنها لاحقا من بروتوكولات تفصيلية بموجب الاتفاقات، وكذلك ما استندت إليه هذه الاتفاقات فإنها تعد جزءا لا يتجزأ من سلسلة متصلة وموصولة ومنصوص عليها بالاستناد للمرجعيات الإطارية السابقة والمؤسس عليها جملة الاتفاقات للاتفاق الإطاري لسلام الشرق الأوسط المعروف بكامب ديفيد.

لا شك أن مصطلح (السلطة المضيفة والسلطة الأم) قد وضع بعناية فائقة في إطار صياغة الألفاظ والعبارات والمصطلحات المستعملة في الاتفاقية وما يتفرع عنها من بروتوكولات لتضمن وتؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي هو صاحب الولاية الإدارية والقانونية والمحدد لحدود الولاية والوظيفة للسلطة المضيفة.

   بمعزل عن منطق فرض الاحتلال شروط القوة والهيمنة الخشنة، أو القوة الناعمة والحنون فإنه نجح في تنظيم اتفاقياته تحقيقا لمصالحه، وعلى أسسٍ مهنية وعلمية وإطارية قانونية سليمة وصحيحة, بحيث تصبح الاتفاقات الموقعة (قسوة أو حنانا) تؤدي وتوصل للغايات المرجوة إسرائيليا ...!! فلسلطة الأم وفي الديانات كافة وبغض النظر عن مدى عنفها وقسوتها فإنها تبقى محل الاحترام والتوقير ديانة، وعلى السلطة القاصرة (المضيفة) تحمل صور العنف والقسوة والتدمير والتخريب تأدبا، وفي إطار حسن الصحبة أمك ثم أمك ثم أمك!!!!  

  أهداف الاحتلال الإسرائيلي تحققت في إطارها الإداري، وفي حدود ونطاق التبعية له، والإشراف والمهام الوظيفية لاستقرار مصالحه, وأيضا فنيا كونه أنشأها على قواعد وأسس علمية وفنية بطريقة صحيحة ومدروسة، وتلبي أغراضه, وكذلك تحققت أهدافه من حيث إقلال الكلفة المالية لوظيفة الاحتلال سابقا ولاحقا بعد الانسحاب من المناطق, وعلى مستوى السياسات فهي تحسن وتجمل وجه الاحتلال بالخروج من المناطق..!

  السياسات لدى الاحتلال الإسرائيلي خصوصا، واليهود والصهاينة عموما في أمريكا والغرب عدم تسجيل الديانة في الوثائق والبطاقات، وهذا التغييب له أهدافه ومقاصده خلال الترحال والتجوال، وفي بطاقات الفلسطينيين مقيدة ومعلومة كقاعدة بيانات للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وفي فلسطين المحتلة عام 1948م ويحرص على تسجيلها كشرط أساس لعلمه أن المسلم يحسن علاقته بأمه ديانة ولغايات أخرى، بل ويثقف دوائره وصناع قراراته بثقافة المسلمين وتوظيف مجموعها لأهدافه ومصالحه.

  إن مصطلح علاقة السلطة المضيفة بالسلطة الأم وفوق أنها طبقا لاتفاقية باريس الاقتصادية عام 1994م, واستنادا لاتفاق واشنطن عام 1993م, واستنادا لاتفاق الإطار لسلام الشرق الأوسط لعام 1978م, فهي توقع أثرا طيبا وحسنا في حسن الصحبة ثلاثا (إداريا وفنيا وماليا) بين السلطة المضيفة والسلطة الأم، ابتداء من طلب التسجيل مشفوعا برضا الأم، ثم نيل رضا الأم في الحصول على الترخيص, وثالثا رضا الأم في المسؤولية عن الرقابة المحكمة والشاملة والفحص المنتظم!!!

  السلطة المضيفة في المناطق ستظل تتفاوض وتسعى بالحكمة والموعظة الحسنة وفي إطار رضا السلطة الأم، وستظل القضية الفلسطينية في أيدٍ أمينة والاقتصاد الفلسطيني في أيدٍ قوية، وبعد عشرين عاما من المفاوضات لم يتبقَّ أمامنا سوى تنظيم الأطر والتشريعات القانونية لحماية ورعاية المنجزات، وتقنين قوانين الملاحة البرية والبحرية والجوية بما يتماشى مع المعاهدات والمواثيق الدولية، وفي إطار حسن العلاقة والصحبة بين السلطة المضيفة والسلطة الأم.