فلسطين أون لاين

كُورونا وعَمى القِمَار

من الجَمِيلُ الإشَارةُ ابتداءً إلى أنَّ العَقلانِيّة والحِكمَة هما نِتَاجُ العَقل الذي هو مَجموعَةٌ من القوى الإدرَاكِية، التي تَتَضمنُ الوَعِي والمَعرفة والتَفكير والحِكَم واللُغَة والذَاكِرة، وهي غَالبًا ما يُعرَف  بـ"الملكة الفِكريّة" والإدرَاكيّة للشَخص.

والعَقلانيةُ تَستَوجِبُ إدراكَ الحِكمَة في مختلف شُؤونِ حَياتِنا وفي جُلِ أُمُورِنا، قَالَ (تَعالى) في كِتابهِ العَزِيز: "وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيٓ أَصْحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ" ( الملك-١٠)، فَعندما ينحرفُ الناسُ في تَصَوراتِهم وسُلوكِهم، يقعُ عِندَها الضَلالُ في السَبِيل.

"عَمى القِمَار" هو إشارةٌ على التَخبُّط أو غِيَاب العَقلِ وفُقدانِ الحِكمَة، وقد أَشارَ الباحثُ "محمود مرداوي"  المُتَخَصَصُ في الشَأنِ الصَهيونيّ إلى صورةٍ من صُورِ "عَمى القِمَار" في تَغريدةٍ لَه.

الكَيانُ الصَهيونيُّ يَعيشُ الآنَ حَالةً فَرِيدةً من "عَمى القِمَار"؛ فَفِي الحَالةِ السِيَاسٍيّة مَا زَالَ التَناحُرُ قَائمًا، والحِقدُ والكَيدُ السِياسِيان جَاثِمين مُتَربِعين على النُفوس، وبِطَبيعةِ الحَال غِيَابُ المِصدَاقِيّة وصُولًا إلى فُقدانِ الثِقة فِي الكُتَلِ السِياسِيّة فِيمَا بينها، فنسمعُ بالمفاوضاتِ والخِيارات المُعقدَة لِتَشكيلِ الحُكومة بِرَأسين للوُزَراء: الرَأسُ الأول يُقيمُ في بِلفور (١)، والرَأسُ الثَانيّ فِي بِلفور (٢)، وهِي مَقراتٌ لِرئاسةِ الوُزراء!

يَبدو أنَّ بِلفور الأصلِي (وزير الخَارجِيّة البِريطَانِي حينذاك عام ١٩١٧م) كَاَن "مَعمِيّ قِمَارهُ"، عِندمَا أَصدَر وَعدَهُ للصَهاينّةِ بِمنحِهم فِلَسطين وَطنًا لهم، إذ الثَابتُ أنَّ اليَهودَ والصَهاينة أقرفوهم عيشتهم، وتَغَوَّلُوا في شُؤونِهم حَتى أَعْمُوا "قِمَارَهُم" قَبلَ وبَعدَ الحربِ العَالميةِ الأُولى (١٩١٤ - ١٩١٨)م، وكانَ المَثلُ الشَائعُ والسبة الدارجة في بريطانيا للشخص: "إنّ فاكتس إتس أجويش" أي "حقًّا إنه يَهُودِيّ".

تَغريدةُ الباحثِ الفَذْ ذَكرَ فيها أن وِزارةَ الصِحَة الصَهيونيّة قَامَت بِعِدةِ أَخطاء في فَحص كِبارِ السِن، ونَقَلتُهم على أنَّهم مُصابون إلى أَماكنِ حَجرِ المُصابين، وبَعد إجراءِ الفَحص في المُستشفياتِ ظَهَرَ أنَّهم غَيرُ مُصابين، وقَد نَقلوا ٢٩ كَهلًا غَيرَ مُصابين خَطأ إلى مكانِ وجودِ المُصابين، وهذه لَيست أولَ ولا آخرَ صُورةٍ من صُورِ "عَمَى القمار".

وزيرةُ التَربيّةِ والتَعليم الصَهيونيّة "شولميت ألوني" في عام ١٩٧٨م، بعد توقيعِ اتفاقيةِ كامب ديفيد مع السادات، قالت: "مَكَثتُ سِتةَ أشهُرٍ، وأنا أُدقِقُ في المَناهجِ المصريّة للطُلابِ في المَدارسِ المصريّة، ولإعطاءِ المُلاحظاتِ على المَنهجِ التَدريسي التي يَجبُ حَذفها واستِبعَادُهَا منه، وإنشاءُ جيلً ليسَ لهُ علاقة بالتَاريخِ، وبالعُمقِ العَربيّ والإسلاميّ يُعيقُ السلام"، ورُبَّما في تَقديرِ مَوقف منها إنَّ قِيادَات كَيانِها الصَهيونيّ سَيُصَابُون بِـ"عَمى القِمَار" بَعدَ السنوات العشرين التالية للاتفاقية رَغمَ وُجودِ وتَمَوضُعَ القُواتِ، المُتعددَة الجِنسِيَاتِ في سينَاء.

في الانتفاضةِ الأُولى عام ١٩٨٧م كَان مُديرُ مُعتقلِ (كيتسعوت) شالتئيل يَقول: "لو جاء الأمنُ، وأَخبرنِي أنَّ المُعتقلين أَدخلوا "بارَة" (بقرة) إلى دَاخلِ المُعْتَقل، فَسَأُصَدقُ ذَلك"، فَقد أَتممَ عَليهِ المُعُتقلِين في حِينِه "عَمَى القِمَار" ولعانة الوالدين.

رَئيسُ الوزراءِ الصَهيونيّ "رابين" بعدَ سلسلةٍ من العَملياتِ البُطوليّة النَوعيّة أُصيبَ أَيضًا بِـ"عَمى القِمَار"، فَصَارَ يَحلمُ أن يُصبحَ ويَجِد غَزّةَ وقد ابتلعَها البَحْر، فابتعلهُ المَوتُ، وما زَالتْ غَزّة المَحفُوظة "بتعمي قمار" كيانه الهش.

"عَمَى القِمَار"، وغِيابُ الحِكمَة، وفُقدانُ العَقلِ والمَلكة الفِكريّة والإدرَاكيّة للاحتلالٍ الصَهيوني راكبهم "من ساسهم لراسهم" في عِدّةِ جَوانِب، في القطاعِ الأمنيّ والجَانبِ السِياسِيّ والاقتصَادي والزِراعِي والواقع الاجتماعِي والصِحِي، ولا يَكادُ يَخلو أو يَنجو مِنهَا جَانبٌ واحدٌ من جَوانبِ الحَياة كَافَة.

إنه القدرُ الرَبانِي في هذهِ الفِئةِ المُجرِمَة والمُتوحِشة، التي كَتب اللهُ عليها ذلك في القرآنِ الكَريم، حَيثُ قال: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} (الحشر:٢).

وسَيَظلُ هذا العَمى قَائِمًا وسَاكنًا في عُقولِهم، مُخيِّمًا وضَاغِطًا على شُئونِ حَياتِهم كَافةً، حتى يَنقَضي كَيانُهُم الهَش، ووجودُهم النَكِرَة، تَخرِيبًا بِأيديهِم وأَيدِي المُؤمنين، والله أعلم أنّه باتَ قريبًا... {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا}.