تتوالى الاعترافات الإسرائيلية حول مظاهر "مرضها" المتفشية، لاسيما مع حالة الاحتراب الداخلي والاستقطاب الحزبي الذي وصل مستويات غير مسبوقة، وأصبح من المألوف أن يتحدث الإسرائيليون أن دولتهم مريضة جدا، فسياستها فيها قائمة على الأكاذيب، والكنيست يفقد قوته، والفجوات الاقتصادية آخذة بالتنامي والتعاظم، حتى ان المنظومة الصحية فقيرة ومدمرة، والتباينات الاجتماعية أعمق مما سبق.
يقدم هذه الاعترافات ساسة ومثقفون وأكاديميون، على درجة عالية من الكفاءة والخبرة، بالقول إن إسرائيل كانت مريضة منذ زمن قبل اندلاع الكورونا، لكن هذا الوباء وضع كل أعراض المرض الإسرائيلي على الطاولة، واستدرج في تطوراته المتطرفة منظومة مدمرة من الأداء الإداري الإسرائيلي، فتأثيره الفتاك خرج من الإطار الصحي الخاص، وكشف عن إشكاليات خطيرة في المنظومات الاقتصادية والاجتماعية وسواهما.
إسرائيل شهدت هذه الأزمة الصحية وسط ما تعيشه من أزمة سياسية مستفحلة، والإسرائيليون عاشوا في أزمة كورونا وسط حالة من التيه والفوضى السياسية، فالجمود الحكومي رافقهم طوال أكثر من عام بسبب غياب أي أفق سياسي في ظل الجولات الانتخابية الثلاثة المتعاقبة، حتى وصلنا ذروة الاستقطاب الاجتماعي، وما رافقه من إهانات غير مسبوقة، فجاء الوباء الذي كشف عن مخاطر استراتيجية أحاطت بكيفية التصدي الإسرائيلي له.
بعض الإسرائيليين يرون في الكورونا الخطر الأكبر على اليهود منذ مئات السنين، وهو ما يروجه نتنياهو، مما يدفع أصحاب هذه النظرية للتضحية بكل شيء مقابل النجاة منه، وهناك إسرائيليون آخرون يرفضون هذه النظرة السوداوية، ولا يقرؤون أي أبعاد غير طبية للوباء، وفريق ثالث من الإسرائيليين لم يقرر بعد الانضمام لأي من المعسكرين السابقين.
قليل من الإسرائيليين من يدركون خطورة التأثير لكارثة كورونا على ثقة الجمهور الإسرائيلي بقيادته الحاكمة، ومدى تضرر إيمانهم بمن انتخبوهم، والقيم التي سوقوها خلال الدعايات الانتخابية، وقدرتهم على قيادة المنظومة السلطوية في الدولة.
لكن المشهد السياسي الإسرائيلي هو الأخطر والأكثر أهمية، والمتمثل بانتهاك غانتس لوعوده لجمهوره حين أكد لهم غير مرة أنه لن يكون عضوا في حكومة يقودها متهم بقضايا جنائية، مما يجعل من هذا التطور أحد المفاجآت الأكثر أهمية خلال السنوات الأخيرة في إسرائيل، ولكن لعل خشية الاثنين، من تبعات الجمود السياسي الإسرائيلي في الظروف القائمة جعلتهما يتجاهلان أي اعتبارات أخرى.
على صعيد المنظومة السلطوية في إسرائيل فنحن أمام بناء هيكلي مدمر، ونفوذ السلطة القضائية في إسرائيل آخذ في التقلص، وليس أقل من ذلك السلطة التشريعية ممثلة بالكنيست، في حين أن السلطة التنفيذية، ومن يقف على رأسها بات نفوذه يمتد إلى نواحٍ ومجالات غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل، وبصورة غير متخيلة، وفي النهاية بات الإسرائيلي رهينة لهذا الواقع الآسن.