فلسطين أون لاين

​الأخلاق في المجالس تظهر من خلال الالتزام بآدابها

...
صورة تعبيرية
غزة - هدى الدلو

لم يترك الإسلام شاردة ولا واردة تنظم حياة المسلمين إلا دلهم عليها وأرشدهم إليها، وفي المقابل ما ترك خلقًا سيئًا إلا حذرنا منه، فإن الإسلام علمنا خير الآداب، وكسانا بأحسن الأخلاق فكان المسلمون أحسن الناس خلقًا تأسيًا بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم متمثلاً قول الله تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم"، ومن جملة هذه الآداب ما يتعلق بآداب المجالس والمقاعد والدواوين وما ينظم العلاقة بين الجالسين والحضور.

يقول العضو الاستشاري لرابطة علماء فلسطين الداعية أحمد زمارة: "النفس البشرية تميل للاجتماع والالتقاء وتنفر من الفرقة والاختلاف وهذا مقصد الدين، ولذلك لا بد من محدداتٍ وضوابط للحفاظ على المحبة والألفة في مجالسنا".

وأوضح أن من أهم المبادئ اختيار أماكن الجلوس وإقامة المجالس، فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله عليه السلام قال: "إياكم والجلوس بالطرقات؛ قالوا: يا رسول الله لا بد من مَجالسنا نتحدث فيها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقه, قالوا وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

ومن الآداب أشار زمارة إلى حسن اختيار الجليس الصالح، لأن الله سبحانه قال في محكم آياته: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّ‌سُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ‌ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا".

وبين ضرورة الحديث في المجلس بالكلم الطيب والقول الحسن، "لأن حركاتنا وسكناتنا وأنفاسنا معدودة علينا لقوله تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"، لهذا وجب علينا أن نجعل من مجالسنا كنوزًا من الحسنات، وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم جلسوا مجلساً لم يذكروا الله فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة"، وفق قوله.

ونوه زمارة إلى من الآداب أن يجلس حيث انتهى بنا المجلس، وعن جابر بن سمرة قال: كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي، وهو أنّ الرجل إذا دخل المجلس؛ يجلس فيه حيث ينتهي بهِ المجلس، ولو عند عتبة الباب، فعليه أن يجلس فيه، ولا يترقّب أنْ يقوم لهُ بعض أهل المجلس مِنْ مجلسه؛ كما يفعل بعض الناس اليوم؛ فإنّ هذا منهيٌّ عنه صراحة في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يُقِيمُ الرجلُ الرجلَ مِن مَقعدِه، ثمّ يجلسُ فيه، ولكن تفسَّحوا وتوسَّعوا".

وأكد أهمية التفسّح في المجالس والتوسع حتى لا يتعرض أحدهم للحرج، لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ"، وعد التفرقة بين اثنين إلا بإذنهما، فلكل إنسان أسراره، ولكل صديق أخباره، منها ما يحب أن يطلع الناس عليها ومنها ما يحب ألا يعرفها غير من يعز عليه، لذلك نهى النبي عن الجلوس بين اثنين إلا بإذنهما وموافقتهما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل للرجل أن يفرِّق بين اثنين إلا بإذنهما".

وأضاف زمارة: "وفي المقابل لا يحق لهؤلاء الاثنين أن يوغروا صدر أخيهم إن كانوا ثلاثة جلساء وذلك بأن يأخذ أحدهم أذن أخيه يحدثه ويتمتم إليه، والثالث ينظر إليهما, عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس أجل أن يحزنه".

ولفت إلى أهمية الإنصات للمتحدث وعدم مقاطعة الحديث، ولهذا كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن ينصت لمن يحدثه، وكان يرفض أن يقطع الواحد كلام أخيه, عن أبي هريرة قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال: بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه، قال: "أين أراه السائل عن الساعة؟"، قال: ها أنا يا رسول الله، قال: "فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة, قال كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

وختم حديثه: "ولا بد لكل مجلس من كفارة، وكفارة المجالس كما علمنا صلى الله عليه وسلم "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك"".