إذا كانت شعوب الأرض تواجه اليوم فيروس «كورونا».. وترتجف خوفا وهلعا من هذا الفيروس القاتل، الذي أصبح وباء وجائحة، اجتاحت العالم باسره...فان الشعب الفلسطيني يواجه فيروسين في آن واحد: فيروس «كورونا».. وفيروس الاحتلال والإرهاب والاستيطان الصهيوني، وفي كلتا الحالتين، فهو مصمم بما يملك من عزيمة، وتجارب هائلة، وأسطورة في البقاء والتحدي والمقاومة.. مصمم على مواجهة هذين الخطرين الماحقين والانتصار عليهما..
وفي محاولة لتكثيف المشهد، نجد ان الشعب الفلسطيني لم يعبأ كثيرا بفيروس «كورونا» لسبب بسيط، وهو انه تعود على مواجهة المصائب والبلايا منذ بدء الخليقة والى اليوم، بحيث لم تستطع اي منها ان ترهبه، وتفت في عضده، وتزرع فيه الاحباط واليأس..
فشعب الصابرين... الجبارين على قناعة تامة، بأن «كورونا» اللعينة.. قادرة على ان تقتل مئات الالوف من البشر، وتحيل الحياة الى جحيم، ولكنها غير قادرة قطعا، ان تحتل الاوطان، وتحكم على شعوبها بالنفي الابدي.. وعلى يقين ايضا، ان هذا الوباء سرعان ما يزول بعد عام.. او عامين.. على اقصى حد..!!
فوباء الطاعون ضرب فلسطين والمنطقة أكثر من مرة، ومن منا لم يسمع، أو يقرأ عن طاعون عمواس، حيث قضى جل الصحابة وجنود الفتح، الذين فتحوا بلاد الشام.. فلسطين والاردن والقدس، وفي مقدمتهم امين الامة، ابو عبيدة.. عامر بن الجراح.. رضوان الله عليهم جميعا..
ومن هنا فشعبنا الذي نذره رب البرية للتصدي للغزاة على مر التاريخ.. لم ترهبه «كورونا»..صحيح انه أصيب بالقلق.. ولكنه القلق الايجابي.. الذي فجر طاقات الابداع والصمود في مواجهة هذا الوباء.. طاقات التكافل والتضامن، ما عزز المناعة الوطنية، وقيم الشهامة والنجدة ومساعدة الاخرين.. ما عزز المناعة الوطنية.. وادى بالتالي الى الحد من انتشار فيروس «كورونا».. وبقي محصورا حتى كتابة هذا المقال في محافظة بيت لحم.. وهو ما حدا بالصحة العالمية، الى الاشادة بالإجراءات الفلسطينية، رغم ان فلسطين محتلة.. وشعبها يرزح تحت نير الاحتلال الصهيوني.. محروم من معانقة الحرية، ومحروم من ممارسة حقوقه الوطنية والتاريخية، وامكاناته جد محدودة.. ولكنه مقابل كل هذا واكثر منه.. شعب يحب الحياة، ويصر على معانقتها، ويكره الموت سواء أكان هذا الموت بفعل الاحتلال، او بفعل وباء « كورونا»..!!
ومن هنا..
صمم شعب الجبارين على التصدي للوباء، فكانت الهبة الفلسطينية من رفح وحتى الناقورة ومن البحر الى النهر.. والمتمثلة بمد يد العون والمساعدة لأهلنا المحاصرين في بيت لحم، وقبل ذلك تطبيق اجراءات السلامة العامة، بكل دقة حفاظا على الانسان الفلسطيني الذي يشكل وجوده شوكة في الخاصرة الصهيونية..
الشعب الفلسطيني لم ينسَ وهو يواجه وباء «كورونا» التصدي للمستوطنين الاوغاد، والاشتباك معهم في قرية «بيتا» بنابلس، وعلى أكتاف جبل "العرمة"، ويجبرهم على اخلاء الجبل، بعد اشتباكات عنيفة سقط خلالها شهيد، روى بدمائه الطاهرة سفوح "العرمة".. وزرع في جنباته الوعد والعهد الفلسطيني.. بأننا هنا باقون..!!
طوبى لشعب الجبارين وهو يواجه فيروسي «كورونا» والاحتلال.
طوبى له وهو يقدم شهادة اعتماد للعالم مضرجة بالدم..
بأنه شعب يحب الحياة، ما استطاع إليها سبيلا..
وحتمًا سينتصر..
صحيفة الدستور الأردنية