بعد الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الإسرائيلية، وظهور مؤشرات الفوز لبنيامين نتنياهو، يمكن الحديث عن جملة عوامل دفعت لتحقيقه فوزا كاسحا، بينها الكاريزما الشخصية، والدوافع الأمنية، والتحريض على العرب، وكل هذه الدوافع أثرت على فوزه، ولكن ماذا عن الفساد؟
اللافت أن فوز نتنياهو تم رغم أننا أمام ثلاث لوائح اتهام بالفساد موجهة إليه من مختلف مؤسسات الدولة القانونية والقضائية والشرطية، لكنها لم تؤثر -كما يبدو- على تأييد الجمهور الإسرائيلي له، ما يؤكد أن الناخبين الإسرائيليين، لا سيما في أوساط معسكر اليمين، بشقيه الديني والقومي، لم يعودوا مهتمين كثيرا بفساد السلطة ونظام الحكم، بقدر ما يركزون في اختيارهم لهذا المرشح أو ذاك على الأبعاد السياسية والقومية والصهيونية.
لمزيد من الدقة، فإنه في طور الاعتبارات التي وضعها الناخب الإسرائيلي بين يديه لدى توجهه لصناديق الاقتراع، فإنه لم يضع موضوع الفساد عاملا حاسما في اختياراته الانتخابية والتصويتية حين يدعم هذا المرشح أو هذا الحزب.
مع أن هناك من يرى في الفساد مشكلة داخلية حقيقية في (إسرائيل)، وعمليتها الانتخابية، لا سيما أولئك الـ120 مسؤولا إسرائيليا ممن وقعوا على عريضة رفعوها لرئيس دولة الاحتلال رؤوفين ريفلين، ولأعضاء الكنيست الـ120، وطلبوا منهم عدم تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة القادمة، علما بأن الحديث يدور عن شخصيات إسرائيلية رفيعة المستوى ممن حازوا على جوائز الدولة في مجالات مختلفة، ورؤساء جامعات وأكاديميين وخبراء ومتخصصين من شتى العلوم والمعارف.
نحن أمام العريضة الثانية التي يستلمها ريفلين في مدة زمنية قصيرة، فقبل وقت قصير أرسل 540 طيارا وضابطا من سلاح الجو، وطالبوه بعدم منح نتنياهو فرصة تشكيل الحكومة القادمة؛ بسبب تورطاته في قضايا الفساد السلطوي، ومن الواضح أن الطيارين وصلوا لهذا الاستنتاج، ربما لأنهم ينظرون للدولة من مكان عالٍ.
تجدر الإشارة إلى أن واحدا من التعريفات الأكاديمية للفساد استخدام مؤسسات الدولة لأغراض شخصية، وفي هذه الحالة يتخذ الجمهور الإسرائيلي قرارا بعدم انتخاب من يلجأ لمثل هذه الأساليب لتمثيل الجمهور في تنفيذ مصالحه العامة، مع أن نتنياهو متورط في قضية بيع الغواصات، ما عرّض أمن (إسرائيل) للخطر خدمة لأغراض سياسية وحزبية عشية الذهاب إلى الانتخابات.
الغريب أن الجمهور الإسرائيلي لم يخرج إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط رئيس الحكومة المتهم بالفساد، ولم يطلب خوض صراع معه لإسقاطه، وقد كانت أمامه فرصة لمنع تدهور النظام السياسي الإسرائيلي إلى مستويات أخرى من الفساد، وخوض صراع على صورة الدولة ومستقبلها، لكنه اختار نتنياهو "الصهيوني"، وتجاهل نتنياهو "الفاسد"!