من جديد عاش المستوطنون الإسرائيليون فيما يسمى غلاف غزة مظاهر متكررة من الخوف والقلق؛ بسبب استمرار حالة التصعيد الأمني والعسكري، الذي تسبب به العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وحالة عدم الثقة بتصريحات القادة الإسرائيليين حول انتهاء المواجهة الحالية.
لا تسعى هذه السطور لسرد أوجه المعاناة التي يحياها هؤلاء المستوطنون التي تسبب بها ساستهم وجنرالاتهم، لكنها فرصة للتأكيد أن معاناة الفلسطينيين تحت القصف الإسرائيلي، وخوف أطفالهم، وقلق كبارهم، يقابلها ما يعانيه المستوطنون الإسرائيليون من يأس وإحباط؛ لأنه لا يمكنهم التعود على هذه الظروف، بعد أن أصبح الفلسطينيون يكتبون لهم جدول أعمال حياتهم، هكذا يشتكون.
بعد أسابيع من استمرار تنقيط القذائف الصاروخية التي تحولت إلى نمط حياة اعتيادي مؤلم، استيقظ مستوطنو غلاف غزة في اليومين الأخيرين على واقع أكثر صعوبة، تمثل بتصعيد عسكري جدي أكثر من سابقه، ورغم أن هذه الجولة قد طويت صفحتها في الساعات السابقة، فإن المستوطنين سيعودون من جديد لواقع متوتر.
يعتقد المستوطنون، ولعلهم محقون في اعتقادهم هذا، أنه بعد مرور وقت قصير سرعان ما سيعودون إلى إطلاق القذائف الصاروخية، ولو بشكل متقطع، وهم يشتكون من عدم قدرة الدولة والجيش على تنفيذ التهديدات ضد المنظمات الفلسطينية، أو إخافتها على الأقل، حتى أنها جعلت هؤلاء المستوطنين رهائن لتلك المنظمات، وأصبح الوضع الذي تحياه الدولة اليوم يدفعهم للخجل، لأنهم باتوا رهائن للمسلحين الفلسطينيين الذين أصبحوا من يعدون لهم جدول حياتهم اليومية.
يتهكم المستوطنون على وزير حربهم الأرعن، نفتالي بينيت، بأن يواصل إطلاق تهديداته الفارغة تجاه حماس، ما جعلهم يطلقون دعوات للخروج إلى الشوارع، لوقف هذه السياسة الفاشلة تجاه غزة، لأنه في كل مرة تندلع جولة تصعيد، ثم يأتي وقف إطلاق النار، وهكذا يتكرر الأمر، دون نهاية قريبة لهذا الكابوس.
يقول المستوطنون، والذمة على الراوي، إن الفلسطينيين يلعبون بهم، وهذا يحبطهم، لأنهم يريدون حسم المواجهة معهم، من أجل إحداث التغيير، فما يعيشه هؤلاء حياة عبثية، وبعد شهر من الآن سيعودون لتصعيد جديد، والوضع الذي تعيشه مستوطنات غلاف غزة يشكل ضغطا عليهم.
من مشاهد الضغط الذي يواجهه المستوطنون في أوقات العدوان الإسرائيلي على غزة، عدم قدرة العديد منهم على قيادة سياراتهم، خشية تفعيل صفارات الإنذار في منتصف الطريق، فضلا عن عدم قدرتهم على النوم ليالي متواصلة في الملاجئ المحصنة وسط ازدحامها بالإسرائيليين، أما في منازلهم فيسمعون أصوات الانفجارات وإطلاق الصواريخ، وهي أصوات حربية لا يقل ضغطها النفسي عن صفارات الإنذار، وهذا الواقع المؤلم يرافقهم منذ عقدين كاملين من الزمن!