يبدي الإسرائيليون قناعتهم، أو على الأقل قطاعات واسعة منهم، أنه يجب التنازل عن عملية السلام مع الفلسطينيين، والتوجه إلى سياسة جديدة عنوانها إدارة حذرة للصراع معهم، لأن الفلسطينيين لن يقبلوا شروط صفقة القرن، وإسرائيل لا تستطيع إلغاءها، وإلا فإنها قد تضطر للانتحار، وكل ذلك يؤكد أن السلام ليس قريبًا مع الفلسطينيين.
من الأسانيد التي يسوقها الإسرائيليون على رفض الفلسطينيين لصفقة القرن أنها تقدم أمامهم شروطًا لا يستطيعون قبولها إطلاقًا، رغم أن هذه الشروط تؤسس لقيام دولة فلسطينية، من وجهة النظر الأمريكية، لكنها تتضمن التنازل عن الشريك الفلسطيني.
في الوقت ذاته، يعتقد هؤلاء الإسرائيليون أن عدم قبول الفلسطينيين للشروط الواردة في الصفقة، يعني تبدد الأمل بتحقيق السلام، وإنهاء الصراع معهم، على الأقل في العصر الحديث، فضلًا عن الأجيال القادمة.
الشرط الأول من صفقة القرن يتعلق باللاجئين الفلسطينيين لعام 1948، فالصفقة ترفض بأي حال من الأحوال عودة أي لاجئ إلى إسرائيل، والإقامة فيها، كما أنهم لن يتمكنوا من العودة الدولة الفلسطينية إلا في نطاق ضيق وقيود صعبة.
أكثر من ذلك، فإن عدد اللاجئين العائدين للدولة الفلسطينية، وفق صفقة ترامب، يجب ألا يشكل خطرًا أمنيًّا على إسرائيل، رغم الاعتقاد الإسرائيلي الواسع بأن حق العودة ليس مجرد كلمات أو أمنيات لدى الفلسطينيين، بل جزء من الحياة اليومية والتعليم والثقافة السياسية الفلسطينية.
الشرط الثاني مما تعلنه الصفقة هو الاعتراف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، وهذا الشرط ظهر للمرة الأولى على لسان إيهود أولمرت رئيس الحكومة الأسبق في قمة أنابوليس 2007، ثم في 2009 على يد بنيامين نتنياهو، ودعمته في ذلك إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لكن المعارضة الفلسطينية كانت فورية ومباشرة وقاسية، حيث يقتصر اعترافهم على دولة إسرائيل، التي تشمل اليهود والمسيحيين والمسلمين.
مع العلم أن هذا الاعتراف يتعارض مع توجهات عموم الشعب الفلسطيني، وقامت به القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية دون العودة للمؤسسات التمثيلية للشعب الفلسطيني، ما يجعله قابلًا للنقض في أي لحظة لتغير موازين القوى الداخلية في الساحة الفلسطينية، ولذلك فإن الاعتراف الفلسطيني بالدولة اليهودية سيحرم الفلسطينيين من كل هذه الحقوق، وتعدّ خيانة لفلسطينيي الـ48.
أما الشرط الثالث الوارد في صفقة القرن، فهو تنازل الفلسطينيين عن الكفاح المسلح، وصولاً إلى تفكيك سلاح قوى المقاومة، حماس وباقي المنظمات الفلسطينية من سلاحهم، من قبل السلطة الفلسطينية أو أي جهة مقبولة على إسرائيل، وفق ما جاء في نص الصفقة، لكن إعادة طائر من السماء يبدو أسهل من تطبيق هذا الشرط، ويبقى السؤال حول مدى استعداد إسرائيل للقيام بذلك.