رغم زيادة التهديدات الإسرائيلية المتلاحقة ضد غزة بتنفيذ عملية قوية ومفاجئة، لكن الأوساط الإسرائيلية تعتقد، ولعلها محقة، أن مرحلة ما قبل الانتخابات الإسرائيلية قد لا تشهد تنفيذ عملية واسعة في القطاع، مما يفسح المجال لخيارات أخرى، لأن تصريح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشأن عدم الخروج إلى عملية عسكرية واسعة في غزة قبل الانتخابات واضحة جدا، وقد تكون مثل هذه العملية بعد الانتخابات أيضا ليست واضحة.
في مثل هذه الحالة فإن إسرائيل قد تكتفي بالرد على قذيفة صاروخية أو بالون حارق بصورة موضعية في ظل موسم انتخابي حامي الوطيس، لم يتوقف بعد، ولا تقوم بمبادرات مباشرة من تلقاء نفسها قادرة على إحداث تغيير في الوضع العام في نطاق غلاف غزة.
رغم عدم وجود فرضية نهائية مطلقة تجزم بحصول أي من السيناريوهات المحتملة، لكن سيناريو العملية العسكرية الواسعة في غزة ربما يتم استبعاده في الأسبوعين القادمين، وقد نستمر في الدائرة المغلقة من البالونات الحارقة والقذائف والطائرات التي تفجر أهدافا في غزة، وهذا يسفر عن هدوء مؤقت في القطاع، ثم سرعان ما يعود التوتر إلى حاله، وهذه الدائرة مرشحة للاستمرار حتى إشعار آخر.
التصريحات الأخيرة لنتنياهو ووزرائه تبدو مبالغا فيها، لأنه بطبيعة الحال لا تفسير للخروج إلى عملية عسكرية قبيل الانتخابات، على الأقل من النواحي السياسية والحزبية، مع أن حماس في الجانب الثاني من الحدود تعتقد أنه بالإمكان الاستمرار في ذات الدائرة من الضرب والضرب المتبادل إلى ما بعد الانتخابات، ولا تريد، وفق ما أرى، الذهاب لمعركة واسعة النطاق.
مثل هذه المعركة العسكرية الواسعة بغزة تشغل أوساط الجيش منذ سنوات، لكن السؤال الذي يطرح دائما في المداولات العسكرية، وهو السؤال الحاسم: ماذا سيحصل عقب العملية القادمة في غزة، ولمن سيتم إرسال هذ المنطقة الجغرافية، ومن سيسيطر على القطاع، وهل ستكون القيادة القادمة أفضل لإسرائيل؟ لا أحد يضمن ذلك.
الجيش لا يريد الانجرار لعملية عسكرية واسعة في هذا النطاق الجغرافي الضيق، رغم أن خوض هذه المعركة ممكن ومتاح من الناحية العملية، لكنه في الوقت ذاته ليس الحل لمشكلة غزة، ومن الواضح أن إسرائيل لا تبادر، بل ترد، لأن ما ينقصها في التعامل مع الواقع القائم في غزة هو غياب استراتيجية شاملة كاملة.
في النهاية، فإن بقاء أسبوعين قبل الانتخابات لا يبدو أن إسرائيل ستتخذ قرارات دراماتيكية بأي اتجاه كان، لا عملية عسكرية واسعة، ولا خطوات لتحسين شؤون الفلسطينيين خشية أن تظهر خاضعة لضغوط حماس وابتزازها، مما يجعلنا نبقى في ذات الدائرة الضيقة، وسنضطر للانتظار لما بعد الانتخابات، ويبقى احتمال الاستدارة المفاجئة قائما، ويعلمه أهل الاختصاص في غزة!