"البوابات الإلكترونية"، و"باب الرحمة"، و"الفجر العظيم" ثلاثة عناوين فلسطينية شكلت لحظات تاريخية فارقة لدى الشعب الفلسطيني، كون كل واحدة جاءت في ظروف وأحداث خاصة سعت خلالها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ مخططاتها بالتسلل إلى قلب المسجد الأقصى.
في كل مرة حاولت سلطات الاحتلال فيها فرض مخططها الجديد لفرض سيطرتها على المسجد الأقصى، انطلقت تلك الهبات في مناسبات زمنية مختلفة لكنها اجتمعت حول هدف واحد هو حماية أولى القبلتين.
جاءت الهبة الأولى يوم 14 يوليو/ تموز 2017م لتضع حدًا لمساعي سلطات الاحتلال للتفرد بالأقصى تمهيدًا لتهويده وحصاره وفرض التقسيم المكاني، فشكلت الاعتصامات الشعبية أمام بوابات المسجد المبارك لحظات فارقة في تاريخ القدس المحتلة، لم يكن أمام الاحتلال وقتها سوى الرضوخ لمطالب المعتصمين وإزالة البوابات، يوم 28 من الشهر ذاته.
أما هبة "باب الرحمة" فقد انطلقت في وقت سعى الاحتلال فيه للسيطرة على مصلى باب الرحمة حتى يجد له موطئ قدم في الأقصى، بعد إغلاق بوابة حديدية مؤدية إلى المصلى، بالأقفال والسلاسل في فبراير/ شباط 2019م، وهو ما أثار غضب المقدسيين، فقرروا يوم 22 من الشهر ذاته الدخول إلى المصلى وأداء الصلاة فيه، للمرة الأولى منذ عام 2003، وذلك في أعقاب إزالتهم السلاسل الحديدية عن بواباته.
في حين جاءت أحدث الحملات الشعبية في سياق مبادرة "الفجر العظيم" التي انطلقت من مدينة الخليل لحماية الحرم الإبراهيمي من التدنيس والتقسيم. فقد انطلقت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي للفت الأنظار وإحياء صلاة الفجر؛ حتى تمددت إلى رحاب المسجد الأقصى وسائر الأراضي الفلسطينية، وقد شهدت نجاحا وتفاعلا كبيرين.
وجاءت حملة "الفجر العظيم" خلال فترة تتراجع فيها الأعياد التلمودية، وبما أن جماعات "الهيكل" توظف تلك الأعياد كرافعة لاقتحاماتها بشكلٍ سنوي، فقد باغتتها الحملة، وبالتالي أربكت حسابات الاحتلال الإسرائيلي.
رسائل للاحتلال
ويقول الكاتب المحلل السياسي راسم عبيدات، إن الهبات المقدسية الثلاث توجه رسالة للاحتلال أنه لن ينجح بفرض التقسيم الزماني والمكان، وأن المسجد الأقصى بكل ساحاته خالص للمسلمين.
وأضاف عبيدات لصحيفة "فلسطين" أن الهبات المقدسية توجه رسالة أخرى للاحتلال أن أي عبث بالأقصى سيمتد للعالمين العربي والإسلامي، وأن الأمور ستخرج عن السيطرة وعليه تحمل تبعات هذا التغول على الشعب الفلسطيني.
ومن أبرز المخططات التي سعى الاحتلال لتنفيذها، وفق عبيدات، مشروع التقسيم المكاني للأقصى، وإنهاء الوصاية الأردنية على الأقصى والإشراف الإداري للأوقاف الإسلامية، وأن تخرج ساحات المسجد من القدسية وتكون بلدية الاحتلال المتنفذة فيها والمسؤولة عنها.
ولفت إلى أن المقدسيين أطلقوا هبات عدة أخرى عام 2014م بعد إحراق المستوطنين الفتى "محمد أبو خضير"، وانتفاضة القدس في الأول من أكتوبر/ تشرين أول 2015م وحدثت سلسلة عمليات طعن، أبرزها عمليات الشهداء: مهند الحلبي، وفادي علون، وعلاء أبو جمل.
ويعتقد أن الهبات لعبت دورًا أساسيًا بإفشال مخططات الاحتلال، مستدركا: "لولا هذه الهبات لوجدنا المستوطنين يؤدون طقوس تلمودية داخل الأقصى كما يحصل بالمسجد الإبراهيمي بالخليل".
ومن المخططات المهمة التي أفشلتها الهبات "محاولة الاحتلال تغيير هوية الشعب الفلسطيني من خلال مشاركة المقدسيين في انتخابات بلدية الاحتلال في أكتوبر/ تشرين أول 2018م، لكن المقدسيين لم يشاركوا بالانتخابات وقاطعوها".
ويقول الباحث في شؤون القدس د.جمال عمرو إن الهبات الثلاث انطلقت نظرا لوجود انحراف خطير في المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف، وأعلنت بما لا يدع مجالًا للشك وبمنتهى الوضوح أن هدفها السيطرة على الأقصى، وبات المسجد في عين الاستهداف والعاصفة، وهذا ما حتم على المقدسيين تحمل الأمانة بأنفسهم.
4 عوامل نجاح
ويحدد عمرو في حديثه مع صحيفة "فلسطين" أربعة عوامل أدت لنجاح الهبات الفلسطينية أولها الإجماع الفلسطيني المقدسي على هدف واحد، وهو حماية القدس والأقصى، فكان هذا الأمر القاسم المشترك بين كل المنتفضين، وثانيا الإيمان والإرادة الصلبة على تحقيق الهدف وخروجهم من الداخل المحتل والمبيت داخل الأقصى وتحمل كل معيقات الاحتلال.
والعامل الثالث الزخم الشعبي وتكاتف الوجود الذي أعطى ثقلا لهذه الهبات، فاضطر الاحتلال خلالها للتراجع. ورابعا التفاعل الخارجي مع الهبات وخاصة حملة "الفجر العظيم" التي امتدت إلى كل المدن الفلسطينية والعديد من المدن العربية في الأردن والكويت، وفق عمرو.
وأشار عمرو إلى أن العمود الفقري في ذلك أنها جاءت موجهة للاحتلال، فأربكت حساباته بعد أن جنَّد آلاف الجنود الإضافيين وفتح مراكز تحقيق جديدة، وبدأ بوضع استعدادات أمنية مبكرة قبل وبعد صلاتي الفجر والجمعة، مبينا أن الاحتلال صدم بانتقال حملة "الفجر العظيم" إلى خارج القدس ويحاول احتواء الأمر بأي ثمن.
ولفت إلى أن عدد المبعدين المقدسيين نتيجة كل الهبات بلغ 200 شخص من كل المراحل العمرية تتراوح فترة إبعادهم "المؤقت" من أربعة إلى ستة أشهر.