استغلت سابقا دولة الاحتلال الإسرائيلي الخلافات العربية الإيرانية لإحداث مقاربة معها وزيارات معلنة حدثت بمجالات عديدة، من بينها تطبيع العلاقات لتحييد الدور الخليجي عن القضية الفلسطينية، وفي القارة الإفريقية لم تكن المسألة مختلفة كثيرًا؛ إذ استغل الاحتلال الخلافات العربية وضعف بعض الأنظمة في القارة السمراء للولوج إليها وإحداث مقايضة.
ولدولة الاحتلال هدفان أساسيان، وفقًا لمراقبين، من لقاء رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو مع رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان في أوغندا، بدعوة من رئيسها يوري موسيفيني.
والمعروف أن (إسرائيل) والسودان ليست لديهما علاقات ثنائية، بل إن السودان شارك في الحرب ضد (إسرائيل) في عامي 1948 و1967.
ويرى مراقبون، أن اللقاء يمكن قراءته من جانب نتنياهو كمحاولة لتوظيف مظاهر التطبيع من أجل رفع رصيد حزبه في انتخابات الكنيست المقررة في مارس/ آذار المقبل، إضافة إلى أن له أبعادا سياسية أخرى.
ويعتقد المختص في الشأن الإسرائيلي عبد اللطيف الحصري، أن (إسرائيل) تسعى لتحقيق اختراقين اقتصادي وسياسي، وذلك بإبعاد عدد من الدول العربية عن القضية الفلسطينية من بينها السودان والمغرب، بعد أن نجحت إلى حد ما في تحييد دول الخليج وإشراكها في صفقة "ترامب"، فضلا عن تحقيق اختراق اقتصادي يحمل وجهًا استثماريًّا في القارة الإفريقية".
خط طيران جديد
الأساس بالنسبة للاحتلال، وفق الحصري، هو الحصول على خط طيران مباشر ينطلق من (إسرائيل) مرورًا بالسودان والقارة الإفريقية إلى أمريكا اللاتينية، مبينا أن دول تشاد وأقصى غرب القارة الإفريقية سبق أن وافقت على مرور الطيران الإسرائيلي عبر هذا الخط، وبقيت "الغمامة السوداء" التي تمنع ذلك السودان.
خط الطيران هذا له أهمية كبيرة، إذ يختصر من أربع إلى خمس ساعات طيران بين (إسرائيل) وأمريكا اللاتينية، مشيرًا إلى وجود علاقات تجارية وسياسية بين الاحتلال وتلك الدول خاصة الأرجنتين.
وبين الحصري أن دخول السودان على خط التطبيع يوفر على الاحتلال تحقيق اختراق اقتصادي ويحقق لنتنياهو مأربًا سياسيًّا، مستدركا أن العرب بعد سقوط حكومة عمر البشير وحدوث التحولات الشعبية السودانية استبشروا خيرا، لكن جاء التحول بعد لقاء نتنياهو والبرهان معاكسا لرغبة الشعوب العربية.
ووصف خطوة السودان للانفتاح على أمريكا بواسطة (إسرائيل) بأنها محاولة رخيصة لا تليق بتضحيات الشعب السوداني، لافتًا إلى أن هذا الانفتاح لن يكون تلقائيًّا أو سريعًا لأن الشعب السوداني لن يقبل به حتى إن قبلت به الحكومة الانتقالية.
مقايضة المغرب
إلى جانب السودان كشفت مصادر إعلامية عبرية النقاب عن أن نتنياهو قايض المغرب من خلال دعمه للقضية المغربية في الصحراء الغربية المتنازع عليها، مقابل تحسين الرباط علاقاتها مع (تل أبيب).
وقالت قناة (13) العبرية، في تقرير لها، أمس، إن نتنياهو اقترح ترتيب اتفاق ثلاثي من خلاله تعترف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على أراضي الصحراء الغربية المتنازع عليها، في مقابل قيام المغرب بخطوات لتطبيع العلاقات مع (إسرائيل)".
وعلق الحصري على ذلك، بأن دولة الاحتلال تلعب على عوامل التناقض بين الجزائر والمغرب من أجل الولوج إلى القارة الإفريقية مستثمرة الخلافات القائمة لإحداث اختراق في التطبيع.
تطويق وتقويض
أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة د. هبة البشبيشي ترى أن توجه (إسرائيل) نحو الدول الإفريقية أمر متوقع، لكن المفاجئ هو التحرك السريع نحو السودان قبل تأسيس حكومة جديدة.
تقول البشبيشي وهي متخصصة في الفكر السياسي الإسرائيلي، إن الهدف من هذا التحرك استكمال التطويق لعدد من الدول العربية ومصر، وذلك بالوجود في دول لم تجمعها و(إسرائيل) علاقة صريحة، خاصة أن هناك عدوانًا إسرائيليًّا حدث على السودان عام 1998م.
وترى أن وضع نتنياهو داخليًّا ليس بالقوي الذي يعينه على الفوز في الانتخابات الإسرائيلية، لذا يحاول تحقيق اختراقات في السياسة الخارجية، كالوجود في السودان وإنشاء علاقات جديدة مع دول إفريقية أخرى.
ولفتت البشبيشي إلى أن سلطات الاحتلال تستغل السودان كدولة هشة ليس لها أصدقاء ترتكز عليهم بالمعنى الحقيقي، ولا تحظى بدعم دولي كافٍ، ولا رؤية واضحة بعد انهيار حكومة البشير، وهي بحاجة لشركاء في الزراعة والتعدين، وتلك فجوات تستغلها (إسرائيل) لوضع يدها في الاقتصاد السوداني.
وأكملت فيما يتعلق بتأثير ذلك على القضية الفلسطينية، بأن الاحتلال يحاول بخطواته التطبيعية مع دولة عربية تقويض العلاقة بين حركات المقاومة الفلسطينية والعربية التي كانت السودان ملجأ لهم لسنوات عديدة.