صحيح أن الإسرائيليين يشعرون أن دونالد ترامب قدَّم لهم في صفقة القرن ما لم يتوقعوه، أو يرجوه من أي رئيس أمريكي، وصحيح أن هذه الصفقة بعد الإعلان عنها منحت بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة، طوق النجاة من ورطته السياسية، وبفضل هذه الصفقة يمكن له الوصول إلى 61 عضو كنيست يمنحونه ثقة تشكيل الحكومة القادمة.
لكن كل ذلك لا يلغي فرضية أن صفقة القرن لن تحقق السلام، ولن تطوي صفحة صراع امتد لأكثر من مائة عام، على العكس من ذلك، فإن هذه الصفقة تعمل على تأبيد الصراع، مما يدفع للقول بكثير من الثقة أن الصفقة لن تسفر عن تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
هذه الصفقة تمنح إسرائيل إمكانية ضم 30% من الضفة الغربية، وتأبيد الواقع القائم فيها، وفرض الأمر الواقع على هذه المنطقة الجغرافية المزدحمة للشعبين، أحدهما يسيطر وهو الإسرائيليون، والآخر وهو الفلسطينيون الواقعون تحت السيطرة.
لكن اللافت أنه يمكن النظر للصفقة من زاوية أخرى، مفادها أن اليمين الإسرائيلي بزعامة نتنياهو ذاته أعطى "نعم" عالية الصوت لصفقة تدعو أخيرا لإقامة دولة فلسطينية مستقلة بجانب إسرائيل، وتقسيم القدس، وتبادل الأراضي، مما يجعل صفقة ترامب تشبه إلى حد بعيد الخطة القديمة لرئيس الحكومة الراحل إسحق رابين منذ حقبة أوسلو 1993.
لمن لا يذكر فقد دعت خطة رابين في نهايتها لإقامة دولة فلسطينية "ماينوس" منزوعة السلاح، تقام على 75% من أراضي الضفة الغربية، ويحافظ على وحدة القدس عاصمة لإسرائيل، لكنه ألمح لإمكانية تنازله عن بعض أجزائها الشرقية لصالح الفلسطينيين.
مع أن رابين لم يوافق آنذاك على تبادل الأراضي معهم، وبموجبها تمنحهم إسرائيل بعض الأراضي الخاضعة لسيطرتها داخل الخط الأخضر، وبذلك فإن خطة ترامب-نتنياهو لا تبتعد كثيرا أكثر من خطة رابين-كلينتون.
هناك بعض الإسرائيليين يتحدثون في الأيام الأخيرة أن الخطة المطروحة اليوم من نتنياهو ومعسكر اليمين هي في حقيقتها خطة اليسار الإسرائيلي قبل ثلاثة عقود، وتعني حل الدولتين بين النهر والبحر، وعاصمتهما القدس، لكن المشكلة تكمن في الوقائع القائمة على الأرض، فقد اشترط ترامب على الفلسطينيين جملة شروط وتعهدات قاسية قبيل إقامة دولتهم السيادية، وهو ما يمكن نقاشه في الأيام القادمة على هذه الصفحة.
لكن النتيجة النهائية تعني أن إمكانية العثور على زعيم فلسطيني يقبل بهذه الشروط هو صفر مطلق، وحتى لو تم العثور عليه، فإن قدرته على تفكيك غزة من سلاحها، ووقف دفع الأموال لعائلات الأسرى والشهداء، وتعليم الأجيال الفلسطينية القادمة على حب إسرائيل، هو صفر مطلق أيضا.