مستوطنات إسرائيلية تبتلع مساحات شاسعة من الضفة الغربية، وأهداف كبيرة يطمح الاحتلال إلى الوصول إليها كضم الأغوار ومناطق "ج"، وتصديق على بناء وحدات استيطانية والاستيلاء على الأراضي، وإقرار مخططات استيطانية لآلاف الوحدات، هكذا يواصل الاحتلال الإسرائيلي تقطيع أوصال الضفة الغربية للوصول إلى "مخطط الجزر الفلسطينية" وجعلها كنتونات معزول بعضها عن بعض.
القرار الأمريكي بشرعنة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة أكبر الأحداث المرتبطة بالاستيطان في عام 2019م، فهو قرار غير مسبوق بعد أن التزمت الإدارات الأمريكية السابقة ولو ظاهريًّا بالموقف الأممي الذي يعد الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967م غير شرعي.
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أعلن في 18 تشرين الآخر (نوفمبر) 2019م أن حكومة بلاده لم تعد ترى بناء المستوطنات في الضفة الغربية انتهاكًا للقانون الدولي، وأنه "بعد دراسة جميع جوانب النقاش القانوني بعناية، توافق هذه الإدارة على أن إنشاء مستوطنات مدنية إسرائيلية في الضفة الغربية لا يتعارض في حد ذاته مع القانون الدولي".
صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية كشفت في 20 كانون الأول (ديسمبر) الخطة الجديدة لوزير جيش الاحتلال، نفتالي بينت، للتعامل مع البناء الفلسطيني بالمناطق "C" في الضفة الغربية.
وقالت الصحيفة العبرية عبر موقعها الإلكتروني: "إن بينت أمر الجيش بوقف السيطرة الفلسطينية على المنطقة بالضفة الغربية، وأمر كذلك بمنع السماح للفلسطينيين بالبناء في هذه المنطقة".
يمهد قرار بينت -وفق رأي مراقبين- بمنع الفلسطيني من البناء في منطقة "C " لمرحلة جديدة من الصراع، باتجاه خطوة أخيرة في فرض ما تسمى "السيادة الإسرائيلية" على تلك المنطقة البالغة مساحتها أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، ولا يتجاوز عدد سكانها 10% من سكان الضفة.
وفي الوقت الذي تبدو فيه مساحة البناء الاستيطاني الفعلي ضئيلة وفق تلك الأرقام، إن معاناة الفلسطينيين الأكبر تكمن في التعامل مع الفضاء الاستيطاني، حيث تسيطر المستوطنات على 11% من أراضي الضفة الغربية، في حين تصنف 18.5% من أراضي الضفة الغربية مناطق عسكرية، ويعزل جدار الفصل العنصري 12٪ من أراضي الضفة الغربية.
وصنف الاحتلال 48 موقعًا في الضفة "محميات طبيعية وحدائق وطنية وأراضي دولة (مزعومة) تشكل 12.4% من مجموع مساحة الضفة"، 88% من مجموع مساحات المحميات يقع في المنطقة التي صنفت "ج"، ولا يبقى وفق ذلك سوى 42% من مساحة الضفة للفلسطينيين.
مدير مؤسسة الشرق خليل التفكجي يوضح أن الاحتلال أودع 47 مخططًا هيكليًّا لمستوطنات داخل الضفة الغربية خلال عام 2019م صدق على 28 مخططًا منها، وطرح 21 مناقصة لبناء مستوطنات، وبلغت عدد الوحدات السكنية التي أعلنها في تلك المناقصات 1234 وحدة.
ويذكر التفكجي في حديثه إلى صحيفة "فلسطين" أن عام 2018م أودع الاحتلال 65 مخططًا هيكليًّا، صدق على 33 مخططًا، وطرح 41 مناقصة، وبلغت عدد الوحدات التي توصف بأنها "سكنية" 4980 وحدة.
في المقابل، تفيد هيئة مقاومة الجدار والاستيطان لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال دمر 650 منزلًا فلسطينيًّا خلال 2019م، و450 عام 2018م، الأمر الذي يشير إلى تصاعد عمليات الهدم.
خطة 2020
ويلفت التفكجي إلى أن الاستيطان يتركز في المناطق القريبة من الخط الأخضر والأغوار ومحيط القدس، مبينًا أن الاحتلال في القدس نفذ جزءًا كبيرًا من بناء وحدات سكنية استيطانية ضمن خطة 2020م، لكنه لم يصل إلى الهدف المنشود، لذلك أعلنه في خطة 2050م، التي تقضي بتوسيع المستوطنات القديمة التي لم تقم لا إنشاء مستوطنات جديدة.
وبحسب قوله، إن خطة الاحتلال (2020) رمت لإنشاء 58 ألف وحدة سكنية، لكنه لم يصل إلى ذلك نتيجة الضغوط الدولية، ويقدر أن ما جمعه الاحتلال 25 ألف وحدة ضمن الخطة ذاتها، لافتًا إلى أن عدد المستوطنين في القدس يبلغ نحو 220 ألف مستوطن.
ويعتقد التفكجي أن الاحتلال فرض أمرًا واقعًا في الاستيطان بالضفة الغربية تمهيدًا لضمها، الذي لم يجد له مخرجًا قانونيًّا، منبهًا إلى أن الاستيطان ليس وحدات استيطانية بل الأنفاق و"تل فريك"، والمشاريع الاستيطانية فوق الأرض وتحتها، والطرق وسكك الحديدية، التي هي من المشاريع الاستيطانية.
بحسب المختص في مجال الاستيطان سهيل خليلية إن استيطان الاحتلال لا يتركز في منطقة معينة، وإن الاحتلال خلال عام 2019م توجه نحو نشر الاستيطان بكل مناطق الضفة، وليس فقط بمناطق التكتلات الاستيطانية الكبرى ومحيطها كمنطقة القدس، وأنه اتجه لتوسيع المستوطنات في المناطق النائية.
يقول خليلية لصحيفة "فلسطين": "إن الفرصة كانت مواتية أمام الاحتلال لتحريك كل المخططات السابقة الموضوعة على الرف، مع الدعم الأمريكي غير المسبوق، وحكومة يمينية بامتياز"، مشيرًا إلى أن الاحتلال أخذ قرارًا بتحريك المخططات السابقة والانتهاء منها لإعطاء أوامر جديدة.
في القدس -وفق إفادة المختص ذاته- إن الاحتلال أعلن مشروعه الاستيطاني في منطقة "جبل المكبر" منذ ثلاث سنوات، ولكنه جمد العمل به، على أن تتضمن المرحلة الأولى بناء 170 وحدة استيطانية، لافتًا إلى أن الاحتلال غير من خططه بأن يصل عدد الوحدات الاستيطانية إلى 600 وحدة.
"وكذلك هو الحال في منطقة "تل ارميدة" وسط الخليل ومشروع الخضار، الذي كان بناء على قرار وزير جيش الاحتلال نفتالي بينيت بهدم السوق وإعادة إنشائه مع تأجير الطوابق الثانية للمستوطنين وإبقاء أصحاب المحلات الفلسطينيين في الطوابق الأولى، وكان مطروحًا منذ سنوات دون تنفيذ" يضيف خليلية، لافتًا إلى أن الاحتلال طرح تنفيذ مشروع تخصيص 182 وحدة بالمستوطنات القريبة من أريحا، كانت معدة في السابق للإخلاء.
التكتلات الاستيطانية
يتركز التكتل الاستيطاني الكبير في الضفة بمستوطنة "معاليه أدوميم" البالغة مساحتها 49 كيلومترًا مربعًا، ويبلغ عدد المستوطنين فيها 40 – 50 ألف مستوطن، ومستوطنة "بيتار عيليت" الواقعة جنوب غرب بيت لحم، والبالغة مساحتها 4 كيلومترات مربعة.
"ويتركز نحو 70 ألف مستوطن في مستوطنة "موديعين" غرب رام الله، وهي مستوطنة ضخمة متصل بعضها ببعض بمناطق صناعية، وهذه المناطق تعمل على محو ملامح الخط الأخضر، فضلًا عن مستوطنة "أرئيل" التي تمتد على مساحة 17 ألف دونم ويبلغ عدد سكانها 20 ألف مستوطن، والمساحة المحيطة بأرئيل وتتبع لها شاسعة" والكلام لخليلية.
عن الاستيطان في الأغوار يقول: "إن عدد المستوطنات في الأغوار يبلغ 38 مستوطنة يعيش فيها 13 ألف مستوطن، ومستوطنات الأغوار زراعية، يهدف المخطط إلى السيطرة عليها لكونها تشكل 29% من مساحة الضفة".
بالأوامر العسكرية، وفقًا لحديث خليلية، يسيطر الاحتلال على الأغوار، فالأساس هنا السيطرة على الأراضي تحت مسمى الحاجة الأمنية على امتداد المنطقة الواقعة من مدينة طوباس حتى جنوب شرق الخليل، التي تزيد مساحتها على 600 كيلومتر مربع.
يهدف الاحتلال للسيطرة على الحزام الغربي خلف الجدار الفاصل والحزام الشرقي في منطقة الأغوار والأراضي المشاطئة للبحر الميت، التي تشكل مساحتها 40% من مساحة الضفة، وكذلك إيجاد ممرات رابطة بين المنطقة الشرقية والغربية التي ستحافظ على طريق وصول إلى المستوطنات النائية التي ستقطع أوصال الضفة إلى أكثر من قطعة.
ويبين أن الاحتلال يركز في مطامعه على الأغوار، لما تحتوي عليه من مصادر مياه تزيد على 120 مترًا مكعبًا من المياه، ولها أهمية كبيرة في الزراعة، إذ إن سلة الغذاء الفلسطينية في الأغوار.
عن عدد المستوطنات في الضفة الغربية حتى الآن يقول: "إن عدد المستوطنات التي لها شكل واضح ومسمى وميزانية يبلغ 198 مستوطنة، و230 بؤرة استيطانية يعيش فيها 800 ألف مستوطن، يوجد منها 37 مستوطنة"، لافتًا إلى أن معدل زيادة المستوطنين السنوية بالضفة يبلغ نحو 3- 4.5%.
ويبين أن الاحتلال يرمي لتقسيم الضفة إلى عدة أقسام، وجعل المدن الفلسطينية كنتونات معزولة بعضها عن بعض، وفصل القدس عن محيطها الجغرافي، فلديه مخطط لتقسيم منطقة شمال القدس حتى جنين إلى أكثر من "كنتون"، وفصل بيت لحم عن الخليل، لافتًا إلى أن الاحتلال منذ عام 1967م حارب البناء الفلسطيني في منطقة "ج" البالغة مساحتها 60% من مساحة الضفة، ويعيش فيها 10% من مجموع الفلسطينيين في الضفة

