عند المرور بانتكاسة في العمل السياسي يكون التعجل غالبًا بضرورة تغيير الإستراتيجية كلها في المسألة ذاتها التي وقع في جُزيء منها الخلل، فمثلًا، عندما يُذكر المستقلون، وضرورة الاستفادة منهم، أو الممارسة من طريقهم، مباشرة، يوجه اللوم على إخفاق وقع هنا أو هناك، ويُذكر مثله الصارخ فلان الذي دعمته الحركة مستقلًّا في انتخابات كذا، ولكنه تنكر وانقلب و.. و..، ولم يُذكر نجاح ماثل ومماثل جاء في الظرف والحال نفسيهما.
ومعلوم بالضرورة السياسية أن الخطأ الذي يقع في جزئية لا يدعونا أن نلغي الأساس، أو أن نعمم الحكم، أو نستدل به على عدم صحة الكل، ونغفل قراءة كل حالة في ظروفها، وشروطها، وما اكتنفها.
وهنا يكون هذا تعميمًا فاحشًا؛ لأنه يمنعك من مساحات واسعة، ويحرمك الاستفادة من الكثير، ومن الأدوات والآليات المهمة في العمل السياسي.
غير أن هذا الحكم مضلل من حيث الاستدلال به، والبناء عليه؛ لسقوطه العلمي والموضوعي من حيث الشكل والمضمون.
ومثال آخر على هذا الحرمان النكد بين الفكرة ذاتها، والحكم عليها بأحكام باطلة من حيث الاستدلال، بل هي من حيث الاستنباط في الأساس كانت خاطئة كاذبة، فما إن تطرح فكرة تشكيل حزب سياسي، حتى يذهب بعضٌ إلى الحكم مباشرة على بطلان هذه الفكرة، وعدم صلاحيتها لواقعنا، منطلقًا من تقويم خطأ لتجربة تشكيل حزب كذا وكذا.
ولربما التجربة ذاتها التي يستشهد بها برد الفكرة فيها الكثير من العظات والعبر والاستخلاصات النافعة، لو أُحسن التفكّر فيها، وتدبّر مآلاتها.
ثم لو سألنا عن التجربة تلك من عايشوها، لأعطانا كل واحد منهم تقويمًا مختلفًا غير الذي يقوله غيره، وربما تسمع من الشخص ذاته تقويمين أو أكثر حسب مناسبة الحديث، وبيئة تناوله.
وذلك؛ لأنها لم تُدرس تجربةً فريدة، وبأسلوب علمي بحت، وتُصدّر للمجموع الوطني، وليس التنظيمي فحسب، تجربةً من تجارب السياسة في المشهد الفلسطيني بكل ما فيها، وما لها، وما عليها.
وربما تجد غير كثير من يستشهد على ثراء تلك التجربة، وأهميتها، وضرورة الاستفادة منها، والبناء عليها.
وأمام هذا الخلط والتضارب، لابد من التوقف قبل استصدار الأحكام أو إطلاقها، لقراءة كاملة ومستوفية، وبما يحيطها.
ويبقى من وجه نظري، ومن متابعتي لهذين الموضوعين اللذين استشهدت بهما، مثالين، أنهما جديران بالاستفادة منهما، والعمل بهما، فيما يتعلق بالمستقلين، وحسن انتقائهم، والقدرة على الاستفادة منهم، دون تحميلهم ما لا يطيقون، دون شك.
وكذا، الأمر بخصوص الحزب السياسي أن يبقى فكرة مهمة وجديرة ورائدة، ولربما ضرورتها الظرفية (الزمان والمكان) وكذا الحال تستدعي التعامل بهذا الشكل الأنسب مع واقعنا الذي تتشابك فيه الأولويات، وتتزاحم، وهنا أتحدث عن أولوية التحرير، وما يلزمها، وأولوية إدارة الشأن العام ومستلزماته.