بالونٌ كبير بحجم شجرة جوز ضخمة، أغصانها تبلغ أطراف السماء، زاهي ملون بألوان قوس المطر، أنفخه لك بنفسي وأترك خيطه بين أصابعك الحبيبة لتلهو به، تحمله وتركض، وتمرح، وتضحك دون قيود أو حدود أو تهديد، في السهول والروابي والتلال وعلى قمم الجبال وشواطئ البحار، تقفز في لبنان، وتطير إلى ليبيا، وتركض إلى العراق، إلى سوريا، إلى فلسطين ومصر واليمن، وفي المساء إلى البيت تعود، منهك القوى متسخ الثياب، يضمك بيت يفيض بالحب، يضمن لك الأمن والسلام، والحياة الهانئة حتى تكبر، تنام، وتخالجك أحلام وردية زاهية مثل أزهار الربيع وزنابقه، حياة تليق بك مثل كل أطفال العالم، لا كوابيس ليلة توقظك هلِعًا، ولا صوت قنابل يرعبك، ولا تهديد صواريخ يقض مضجعك، تُمضي طفولتك وتعبر إلى شبابك دون أن ترى بيوتًا دمرتها حروب، ولا جثثًا مزقتها أسلحة فتاكة، أو جراحًا غائرة لم تجد طبيبًا يداويها.
وكن مطمئن البال يا صغيري؛ فأنت في جنة العرب.
*****
يا طفلي الغزِّي، يا قرة عيني..
ابق طفلًا، وعبَّ من طفولتك حتى ترتوي، لا تسمح لهم بأن يدفنوك في مقبرة المسؤوليات غير المتناهية، ويغرقونك في بحر الهموم السوداء الممتدة، دافع عن طفولتك وحقك فيها، ولا تتعجل أن تكبر، لا تصغِ لمن يقول لك: "عيبٌ عليك، ألست كبيرًا؟!، عيبٌ عليك ألست رجلًا؟!، ألستِ فتاة كبيرة؟!، كيف تصبحين غدًا ربَّة أسرة؟!"، لا تستمع إليهم.
العب يا صغيري مع العصافير، وطارد الفراشات الملونة، وتسلق الأشجار السامقة، واقفز في الماء وابنِ قلاعًا على رمال الشاطئ، دون أن تكون قلقًا لأنك ستفقدها مع أول موجة غاضبة تمحوها وتقتلعها من جذورها، لا تخشَ الآتي يا صغيري، لا تترك للقلق ثقبًا تتسلل السعادة من قلبك عبره، عِش لحظتك ولا تبالِ.
يومًا ما ستكبر رغمًا عن أنفك، وسيجد الحزن والقلق والشقاء مكانه في حياتك، سواء شئت أم أبيت، اغترف الآن من طفولتك حتى تمتلئ، وكن على يقين بأن الفرصة لا تتكرر مرة أخرى؛ فلا تدعها تعبرك وتغادرك خلفها خالي الوفاض.
*****
أطلق لخيالك العنان يا صغيري، لا تربطه بقيود الكبار وتسجنه داخل زنازينهم، امتط صهوته، واترك لجامه ودعه يسبح بك، دعه يعبر بك النجوم والمجرات، والبحار والمحيطات، والأنهار والغابات.
ارسم يا صغيري، لون، اكتب، ركِّب، انسج، خربش على الرمال، امزج ما تشاء، وكيف تشاء، لا يضيرك لو اتخذت قرارك أن يكون لون الشمس أزرق، والسماء ورديًّا، والنهر بنفسجيًّا؛ فكل الألوان لك حلال، وكل القواعد على أعتابك شواذ؛ فأنت ما تقرر، وليس سواك.
ولا تخش ما يحدث، يا صغيري، ولا تحسب ألف حساب للآتي.
*****
في حضرتك يا صغيري يعم الهدوء الصاخب، ويسود الجو ودٌّ وبهجة، ودفقات من المشاعر الجياشة.. فلا تحرمنا من رضاك ويُمنك يا سيدي.
فيا أيها الملك الصغير، نتمنى لجلالتك السعادة، والأحلام الهانئة، والمستقبل الواعد، بعيدًا عن كل أحزان العرب وآلامهم.