فلسطين أون لاين

نظرة فاحصة لمحطاته وأنواعه ومواجهته

التطبيع.. خنجر مسموم في ظهر قضية العرب الأولى

...
جانب من زيارة نتنياهو لسلطنة عمان
غزة-نبيل سنونو

"نعيش الآن عملية تطبيع مع العالم العربي بدون أن يتم تقدم في عملية" التسوية مع السلطة الفلسطينية، كان هذا واحدا من أخطر تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي تكشف انتقال التطبيع مع أنظمة عربية إلى فوق الطاولة، رغم جرائم (إسرائيل) المستمرة على الأرض.

وعلى نطاق واسع، يُنظر إلى اتفاقية كامب ديفيد بين جمهورية مصر العربية و(إسرائيل) عام 1979، على أنها تمثل محطة للتطبيع الرسمي مع الأخيرة، وكذا الحال بالنسبة لاتفاقية وادي عربة الموقعة مع المملكة الأردنية الهاشمية عام 1994.

وفلسطينيا، يلقى اتفاق أوسلو الذي وقعته منظمة التحرير عام 1993 رفضا وطنيا واسعًا، كونه تنازل عن 78% من أرض فلسطين التاريخية، ووضع أرضية لتعاون أمني يقول مراقبون: إن المستفيد الوحيد منه هو (إسرائيل) التي تعزز الاستيطان فيما تبقى من الأرض الفلسطينية، وتكبّل الاقتصاد الفلسطيني، وتمنع قيام دولة فلسطين حتى على ما يعرف بحدود 1967.

ولعل أبرز محطات التطبيع العلني الحديثة، تمثل في الزيارة المفاجئة التي أجراها نتنياهو إلى سلطنة عمان خلال أكتوبر/تشرين الأول 2018.

ويجري التطبيع تحت سُتر مختلفة، رياضية، وفنية، وثقافية، وغير ذلك. وفي حدث غير مألوف، عُزِف النشيد الإسرائيلي العام الماضي، في أبو ظبي للمرة الأولى بعد أن أحرز أحد الرياضيين الإسرائيليين الميدالية الذهبية في بطولة عالمية للجودو.

وتكرر المشهد ذاته في دولة قطر، بعد فوز لاعب الجمباز الإسرائيلي، أليكس شاتيلوف، بميدالية ذهبية في كأس العالم للجمباز، المقامة في الدوحة.

وفضلا عن ذلك، زار وزير الخارجية في حكومة الاحتلال، يسرائيل كاتز، أبو ظبي، العام الجاري، وشارك في مؤتمر الأمم المتحدة لشؤون البيئة.

ولم يقتصر التطبيع على زيارات مسؤولين إسرائيليين إلى دول عربية، وإنما كشفت وزارة الخارجية في حكومة الاحتلال في يوليو/تموز الماضي عن زيارة وفد من ست صحفيين عرب بينهم، ولأول مرة، صحفيان قالت إنهما من السعودية والعراق.

لكن "القنبلة" تمثلت في استضافة مملكة البحرين في يونيو/حزيران الماضي مؤتمرا يمثل الشق الاقتصادي مما تعرف بصفقة القرن، التي يؤكد الفلسطينيون أنها ترمي إلى تصفية قضيتهم.

ورغم المقاطعة الفلسطينية للمؤتمر، شاركت كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، ومملكة المغرب.

وسبق المؤتمر المذكور، مؤتمر وارسو الذي يُعد الأول في جمعه بين (إسرائيل) ودول عربية للمناقشة فيما سميت "قضايا الأمن الإقليمي" منذ المحادثات التي شهدتها العاصمة الإسبانية مدريد في تسعينيات القرن الـ20.

هدف التطبيع ومخاطره

ويتمثل هدف التطبيع –وفق رئيس مجلس العلاقات الدولية د. باسم نعيم- بأن (إسرائيل) تريد تحطيم كل الحواجز التي تمتلكها الشعوب ضدها، مشيرًا إلى أن تنظيم أنشطة رياضية وثقافية وفنية تطبيعية يرمي إلى محاولة إعادة "صياغة العقل العربي والإسلامي بطريقة جديدة يتحول فيها العدو إلى صديق".

ويخالف التطبيع حتى ما تعرف بـ"مبادرة السلام العربية" التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 وتنص على الاعتراف بـ(إسرائيل) مقابل انسحابها من هضبة الجولان السورية ومزارع شبعا والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967.

ويريد نتنياهو إقامة علاقات "طبيعية" مع الدول العربية، بذرائع مختلفة، على حساب القضية الفلسطينية التي تمثل قضية العرب الأولى.

دور السلطة

وتواجه السلطة اتهامات بتشجيع التطبيع، إذ إن نعيم يقول لصحيفة "فلسطين": السلطة في رام الله تمارس "أسوأ أنواع التطبيع"، وهو "أكبر عائق" أمام تحول حملة المقاطعة إلى مشروع وطني شامل تتبناه المؤسسة الرسمية والأهلية على مستوى المجتمع المدني، ليس فقط لأن "ضعاف النفوس" يستغلون سلوك السلطة، بل أيضًا لأنه يصعب مهمة مناهضة التطبيع حول العالم، عندما يتذرع هؤلاء به.

ويشير إلى أن السلطة تتفاخر بالتنسيق الأمني مع الاحتلال في الضفة الغربية، وتصفه بـ"المقدس".

في السياق، يجيب عضو الحملة الفلسطينية للمقاطعة الثقافية والأكاديمية د. حيدر عيد، عن سؤال بشأن دور السلطة الفلسطينية، بأن الأخيرة تمثل التجسيد العملي لاتفاقيات أوسلو، التي ينطبق عليها حرفيا تعريف التطبيع المجمع عليه وطنيا وإسلاميا ومن قبل قطاعات المجتمع المدني بما يشمل حركة فتح نفسها.

ويتابع عيد لصحيفة "فلسطين" بأن السلطة مكبلة بقيود اتفاقيات أوسلو، وهي دعت فقط لمقاطعة بضائع المستوطنات كون اتفاقيات أوسلو تحصر سقف تطلعات الشعب الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة على حدود 1967 ووجود المستوطنات على أرض الضفة الغربية يتناقض مع ذلك.

بدوره يقول عضو الحملة الفلسطينية لمقاطعة (إسرائيل) البروفيسور مازن قمصية: "الشعب الفلسطيني قرابة 12 مليون شخص، لن يكل ولن يمل مع أن بعضنا سوف يكل مثل السلطة الفلسطينية (في إشارة لانتقاده مواقف السلطة في رام الله)، ولكن معظم الشعب الفلسطيني لا يزال مقاوما".

كما أن الناشط في المقاطعة عادل البربار يعتقد أن "أخطر التطبيع" هو التنسيق الأمني مع (إسرائيل) والتواصل معها.

فجوة بين الموقفين الرسمي والشعبي

رغم كل ذلك، هل تعكس العلاقات بين بعض الدول العربية و(إسرائيل) سواء أكانت في السر أم العلن، موقف كل الدول العربية؟ الإجابة هي لا، إذ إن دولة الاحتلال لا تجمعها علاقات رسمية سوى بمصر والأردن بموجب الاتفاقيتين المذكورتين.

أما شعبيا، فيقول نعيم: الشعوب لن تتقبل (إسرائيل) التي هي عبارة عن جسم غريب، مردفًا: "نحن نراهن على أن الشعوب لن تسمح لهذا الكيان بأن يتمدد".

ويلفت نعيم، رئيس حملة المقاطعة - فلسطين، إلى ضغط تمارسه أنظمة عربية وتزييف للوعي بمساعدة "بعض المأجورين والمرتزقة من الفنانين والكتاب الذين لا يمثلون الحالة العامة".

وكل العلاقات بين (إسرائيل) وأنظمة عربية سواء أكانت سرًّا أو علنًا لم تسعف الأولى في أن تصبح "عضوًا طبيعيًّا" في المنطقة؛وفق تأكيده.

من ناحيته يؤكد البربار لصحيفة "فلسطين"، وجود فرق بين الموقفين الشعبي والرسمي حتى في الغرب، مبينا أن حكام بعض الولايات الأمريكية اتخذوا قرارات بتجريم مقاطعة (إسرائيل).

وفي الدوحة، اتفق المشاركون في ندوة نظمتها مجموعة "شباب قطر ضد التطبيع" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على ضرورة تشكيل جماعات ضغط شعبية؛ للوقوف بوجه كل أشكال التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي بدول الخليج.

ورفض لاعب الجودو المصري محمد عبد العال في أغسطس/آب الماضي، مصافحة لاعب إسرائيلي في بطولة العالم المقامة باليابان، ويعيد ذلك التذكير برفض لاعب الوسط الجزائري عامر بوعزة قبل سنوات، مصافحة نظيره الإسرائيلي جاي أسولين في مباراة ضمن مباريات الأسبوع 16 لدوري الدرجة الثانية الإسباني لكرة القدم.

ويعد التطبيع محاصَرا، في ظل تمسك بعض الدول العربية بأدبيات المقاطعة كالجزائر ولبنان والكويت وغيرها.

ومما يدل على رفض التطبيع، وكونه منبوذا على نطاق واسع إلى جانب لفظه من الشعوب، هو منع ماليزيا في يناير/كانون الثاني الماضي، لاعبين إسرائيليين من المشاركة في بطولة العالم للسباحة لذوي الاحتياجات الخاصة، وفرضها حظرا على مشاركة الإسرائيليين في أي نشاط تستضيفه.

وفي الكويت، لطالما أكد رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم رفض بلاده التطبيع.

مواجهة التطبيع

كيف يواجه الفلسطينيون التطبيع؟ لعل الإجابة عن هذا السؤال تقود إلى جهود حملة المقاطعة – فلسطين، والحركة العالمية لمقاطعة (إسرائيل) وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة اختصارا "BDS".

وتقوم فكرة حملة المقاطعة على هدف إنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجرتهم منها العصابات الصهيونية سنة 1948، وإنهاء العنصرية الاحتلالية.

وعن إستراتيجية حملة المقاطعة، يقول نعيم: إنها سلمية تدعو بشكل فردي وجماعي إلى عزل الاحتلال ومقاطعته ومعاقبته على جرائمه وأكبرها جريمة احتلال الأراضي الفلسطينية، والعنصرية التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني.

ويصف هذه الحملة بأنها إحدى أدوات النضال، وهي فكرة اتبعها كثير من الشعوب تاريخيًّا في الهند والولايات المتحدة وجنوب إفريقيا، للتخلص من الاحتلال أو الاستبداد أو العنصرية.

وتستند حملة مقاطعة الاحتلال –وفق نعيم- إلى أن (إسرائيل) كيان غريب مصطنع، وهي تحاول إخفاء جرائمها، وتسويق نفسها على أنها "مدنية متحضرة"، عبر استدعاء ممثلين وملكات جمال وسياسيين إلى فلسطين المحتلة سنة 1948، لعمل "غسل دماغ" لهم، لكن هذه صورة كاذبة، تحاول إخفاء سياسة القتل والعنصرية والوحشية وهدم البيوت والنظام الاحتلالي الفاشي العنصري متكامل الأركان، وهو ما تعمل حملة المقاطعة على فضحه.

"أعتقد أن الهدف الحقيقي لحملة المقاطعة هو نزع الشرعية عن الاحتلال"؛ يتابع نعيم.

تحدٍ لـ(إسرائيل)

يدور "صراع" بين حملة المقاطعة و(إسرائيل) التي أصدرت حكومتها تقريرًا، أظهر احتمال تكبدها نحو 11.5 مليار دولار سنويًّا من جراء حركة المقاطعة العالمية.

ووفقا لناشطين في حركة المقاطعة، فقد تكبدت (إسرائيل) خسائر مالية كبيرة، عبر فسخ عقود بقيمة 23 مليار دولار، وتراجع قيمة صادراتها إلى حوالي 2.9 مليار دولار، في ظل توقع خسارة ما بين 28 و56 مليار دولار "بالناتج القومي الإسرائيلي".

وإن كان ذلك تأثير اقتصادي، فإن عيد، عضو الحملة الفلسطينية للمقاطعة الثقافية والأكاديمية، يقول: إن المقاطعة باتت تعتبر "أكبر خطر" على (إسرائيل)، مشيرا إلى أن قادة الاحتلال اعتبروا أنها تشكل "خطرا استراتيجيا والبعض يعتبر أنها خطر وجودي" على الأخيرة.

ويشير عيد، إلى أن دور المقاطعة ليس فقط ضد الاستيطان، بل ضد الاحتلال في الضفة، وحصار قطاع غزة، ونظام الأبارتايد والتفرقة العنصرية التي تمارس في مناطق 1948م والتطهير العرقي الممنهج كجزء رئيس من نظام الاستعمار.

من جهته يقول البربار: إن لحركة المقاطعة تأثيرات توجع (إسرائيل) في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والقانونية، ولذلك فإن الأخيرة تعمل على القيام بخطوات وشن "معركة شرسة" ضد المقاطعة من بينها المجال القانوني.

وسنت سلطات الاحتلال قوانين كثيرة ضد حركة المقاطعة، ما يدلل على حجم هذه الحركة المتنامي.

ونجحت حركة المقاطعة في إحراز تقدم في الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب عموما، حيث تنشط بشكل قوي في الجامعات الأمريكية والبريطانية.

وتشير استطلاعات رأي إلى أن نحو ثلث الأمريكيين يعتقدون أن المقاطعة هي أداة شرعية لممارسة الضغط على (إسرائيل).

وسبق أن وقّعت 17 كنيسة أمريكية على عريضة مقاطعة شاملة لشركة “HP”، بسبب تورطها في دعم انتهاكات الاحتلال الاسرائيلي، كما أن معاهد عدة في الولايات المتحدة تقاطع الشركات التي تتعامل مع الاحتلال منها جامعة توليدو بولاية أوهايو.

وألغت بلدية مدينة ليل الفرنسية، علاقتها مع بلدية الاحتلال في صفد، احتجاجا على السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

وتكتسب حملة المقاطعة زخمًا متزايدًا، إذ إن نعيم بدوره، يدلل على ذلك بأن الاحتلال شكل وزارة متخصصة بملاحقة الحملة وأنشطتها، ورصد ملايين الدولارات لذلك، وأنشأ مجموعة من اللجان كان آخرها واحدة مكونة من 150 محاميًا دوليًّا لملاحقة نشطاء المقاطعة قانونيًّا، وضغط على الدول لإصدار قوانين تجرم من يقاطع الاحتلال أو يدعو لمقاطعته في أوروبا وأمريكا، ما يعكس إدراك الاحتلال لخطورة هذه الحملة الدولية عليه.

واعتاد الاحتلال وصف مقاطعيه بأنهم "معادون للسامية"، لكن البروفيسور قمصية يقول لصحيفة "فلسطين": إن (إسرائيل) نفسها هي معادية للسامية، وهي التي زادت "معاداة السامية" وشجعتها وتعاونت مع السياسي الألماني النازي أدولف هتلر، ومع السياسي الإيطالي الفاشي بينيتو موسوليني لسنوات ضد اليهود الآخرين.

صوت المقاطعة في الكونغرس

لم يعد الكونغرس الأمريكي الذي يعرف على نطاق واسع بـانحيازه لـ(إسرائيل)، محصنا ضد دخول أعضاء مؤيدين لحركة مقاطعة الأخيرة؛ إذ إن نائبين مسلمتين أعلنتا تأييدهما هذه الحركة في الولايات المتحدة التي توصف (إسرائيل) بأنها "ابنتها المدللة".

والنائبان هما إلهان عمر ورشيدة طليب المنتميتان إلى الجناح اليساري للحزب الديمقراطي. وأدى موقفهما إلى شن حملة عليهما من داخل الحزب وخارجه المعروف بعلاقته الوثيقة مع دولة الاحتلال.

متطلبات

يدعو البروفيسور قمصية الأنظمة العربية المطبعة مع (إسرائيل) وعرابي التطبيع إلى أن "يخجلوا من أنفسهم"، مشددا على أنه لا تلاقي بين الشعوب وبين الإمبريالية والاستعمار.

ونظرا إلى أنه كان هناك حراك قوي ومؤثر في عزل الاحتلال عبر مكتب جامعة الدول العربية لمقاطعة الأخير، الذي أنشئ في الخمسينات من القرن الماضي، واستمر حتى بداية التسعينات، ومع توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993 تلقى هذا الجهد الرسمي "ضربة كبيرة جدًّا"، فإن نعيم يؤكد أن أولى خطوات دعم ملف المقاطعة هو أن تتوقف السلطة عن "هذا التنسيق العار والسلوك المخزي"؛ وفق وصفه.