فلسطين أون لاين

​أكرم طموس.. شاب غزِّي عانق بطموحه حلم دراسة الهندسة

...
غزة- هدى الدلو:

"حب الهندسة لم يكن شيئًا عابرًا بل كان ممتزجًا بدمائي، وإن اضطررت إلى العمل منذ صغري (14 عامًا) فلم أنسَ حلمي بدراسة الهندسة، وآمنت أنه سيأتي اليوم الذي أدخل فيه الجامعة وأصبح مهندسًا" هكذا تحدث الشاب أكرم طموس الذي قاوم حتى النفس الأخير لتحقيق حلمه بدراسة الهندسة.

أضاف أكرم لصحيفة "فلسطين": "كانت أمي هي مشجعي الأول كلما ضاقت بنا الظروف، يليها أختي الأصغر مني".

وتخرج أكرم أخيرًا في كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية، تخصص هندسة مدنية.

عندما سألته مراسلة صحيفة فلسطين عن شخصية أكرم أجاب بكل ثقة: "شاب طموح جدًّا، محب للتحدي المليء بالشغف والطاقة، الذي عانى الفقر وصغر البيت، وسوء الأوضاع الاقتصادية وتحمل المسؤولية".

وبابتسامة أكمل عن نفسه: "لكن أكرم حظي بأم رائعة تعرف كيف تربي وتراعي وتهتم بأبنائها، ليس بالموارد المتاحة ولكن بالحب والتشجيع والأمل".

وأكرم ملقب بـ"الجدع"، ويبلغ من العمر (23 عامًا)، تخرج قبل عدة أسابيع في الجامعة الإسلامية بتخصص الهندسة المدنية بتقدير جيد جدًّا، في أربع سنوات فقط، من سكان شمال القطاع بمنطقة مشروع بيت لاهيا، يسكن وعائلته المكونة من 7 أفراد في بيت صغير لا تتجاوز مساحته 70 مترًا مربعًا، ولكنهم عائلة مبدعة متحدية للظروف.

وقال طموس: "عدم قدرة والدي المريض على العمل دفعتني نحو مساعدة أمي في توفير احتياجات البيت، ولو بالقليل، فاضطررت إلى العمل وأنا في سن 14 عامًا، في الإجازات الصيفية وبعد عودتي من المدرسة".

رحلة العمل

وبدأ يسرد قصته في رحلة تنقله بين مهن مختلفة، التي كان يهدف منها إلى توفير المصروف اليومي للبيت بغض النظر عن طبيعة العمل، وقد بدأت رحلته بالعمل على عربة مركونة على رأس الشارع الرئيس الذي يقطن فيه لبيع الكبدة، وبعد عام تركها وانتقل إلى بيع السجائر برفقة ابن عمه.

وتابع طموس حديثه: "لكن ماله لم يكن مباركًا، وتركته بالأكثر لعدم رغبة أمي بالعمل في هذا المجال، لكن الظروف لا تسمح لك بالاختيار وتجبرك على المضي قدمًا وليس الوقوف والانتظار".

واستكمل: "ثم عملت بنصف دوام بعد المدرسة بـ"سوبر ماركت" قريب من بيتنا، ولكن لم أتفق مع صاحب العمل، فانتقلت للعمل مع صديقي في منجرة أخشاب، إنه عمل مرهق ومليء بالغبرة، ولكن غبرة الأخشاب أهون من احتياج أمي لأحد وأنا موجود".

وعندما أصبح في الثانوية العامة ترك العمل لكي يتفرغ للدراسة، ويحقق ما تلوذ إليه روحه بأن يصبح مهندسًا كبيرًا، قال: "لكن الدنيا لعبت لعبتها مرة أخرى، ولم أستطع اجتياز مفتاح قبول كلية الهندسة فحصلت على 78%، لكن لم أيأس ولم ألتفت إلى كلام الآخرين، فسجلت بالجامعة الإسلامية كلية العلوم، لأتمكن من الحصول على معدل عالٍ وأحول إلى هندسة، لكن -للأسف- لم أفلح".

ترك الجامعة وأعاد تسجيل بعض المواد في التوجيهي لكي يرفع من معدله، وحصد 84.3%، واجتاز مفتاح التنسيق، لكنه عاد إلى دوامة المشاكل والظروف السيئة وعدم استطاعة توفير الرسوم، فاضطر إلى البحث عن عمل، فعمل في أحد الفنادق عامل نظافة مدة 12 ساعة يوميًّا، وكان ذلك مرهقًا ومتنافيًا مع دراسته الجامعية، ففكر كيف يمكن أن يوفق بين الاثنين؟

وأوضح طموس أنه فكر في مشروع يكون ملكه يعمل بالساعات المناسبة له، ويكون مدير نفسه، فأنشأ شركة finish للخدمات العامة، وبالفعل نجحت في الحصول على أعمال مختلفة، فأصبح المسؤول عن توريد عمال النظافة للفندق الذي كان يعمل فيه سابقًا، وبسبب الظروف الاقتصادية انهارت الشركة.

لم يكل أو يمل، فقرر بالشراكة مع صديقه تغيير مجال الشركة من الخدمات العامة إلى الخدمات السينمائية، ولا تزال قائمة وتحقق النجاح لغاية هذه اللحظة.

رغم كل الكفاح لم يتركه الناس وشأنه، فكان يصل إلى أذنيه كلام: "أين كفاحك للهندسة وأنت لم تدخل مجالها في أعمالك؟!"، لذلك التحق بتدريب للمشاريع الممولة من التعليم الألماني مع مؤسسة إنقاذ الطفل ومؤسسة إنقاذ المستقبل الشبابي، وحصل على تمويل، وهو الآن صاحب مشروع (سلة بلدنا) لإعادة تدوير البلاستيك في المنطقة الصناعية في بيت حانون، حيث يعمل مع مهندسين آخرين و12 عاملًا، وفق حديث طموس الذي أكمل: "وبفضل الله أنا اليوم مرشح لنيل جائزة التعاون الدولية لأفضل مشروع ريادي، ومشارك في مؤتمر رياديي الأعمال الذي سيعقد في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل في تايلاند".

دراسة الهندسة

"إن لم يكن لك أعداء فلن تكون ناجحًا" هذا ما كان يردده طموس في داخله، موقنًا أنه سيأتي يوم ويصل لما يريد، ووالدته كانت تغلق أفواههم؛ فقد كانت كالسد المنيع له مما يقولون.

واستذكر أنه ذات مرة بعد انتهائه من الثانوية أحد أقربائه عرض على والدته أن تدرسه بجامعة القدس المفتوحة تخصص اللغة العربية أو الرياضيات، بمنحة كاملة دون أن تدفع شيئًا، مستدركًا: "ولكن لإيمانها بمدى حبي وشغفي بالهندسة رفضت، فهذا كان دافعًا قويًّا لأجتهد في دراستي وأنجزها في وقت أقل مما هو مطلوب".

كان إصراره على دراسة الهندسة تيمنًا بخاله المهندس المدني الذي يعمل في نقابة المهندسين، فكان أكرم منذ طفولته يجلس بجواره ليشاهده وهو يصمم بيوت الناس، لم يكن يعي الخطوط التي يرسمها، ولكنه آمن بأنه شخص مميز ويفعل شيئًا رائعًا، فكان يقول في نفسه: "سأصبح مثله وسأبني بيوتًا رائعة، أولها لأمي، وسيكون كبيرًا ومليئًا بالغرف كما تحلم"، أضاف طموس: "لذلك أحببتها، ولما فعله الاحتلال في السنوات الأخيرة ببيوت أهلي وجيراني، وكم حطم من أعشاش لهم، أخذت عهدًا على نفسي أنني سأكبر وسأبني لهم بيوتًا أجمل بخرائط أفضل".

ووجه رسالة للشباب الذين يتركون الدراسة بسبب ظروفهم الخاصة اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، قائلًا: "المستحيل كلمة نحن صنعناها، فإذا أردت وأنت بكامل قواك فستحول المستحيل إلى ممكن، والظروف صعبة على الجميع، ولكن السؤال: كيف هذا وصل وأصبح له عمله الخاص وهو في مثل سنك، وأنت هنا جالس لا تستطيع إيجاد قوت يومك؟!، هل كان معه مصباح علاء الدين، أم كافح واجتهد من أجل توفير حياة كريمة لمن يحب؟، توكل على الله، وآمن بقدراتك، وتعرف إلى نفسك من الداخل، وركز على مهارة تحبها وطورها، فالظروف حجة يتخذها الجبناء فقط، وآمن بعبارة: إن لم تزد على الدنيا فأنت زائد عليها".