رغم حالة الهدوء التي تشهدها العاصمة السورية دمشق، وانتهاء الاشتباكات المسلحة، مع خلو أحيائها من عناصر وفصائل المعارضة منذ أشهر طويلة، لا تزال عودة أهالي مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوبي العاصمة، بعد سنوات من النزوح؛ رهن الرفض السوري الرسمي، تحت ذرائع وحجج متعددة.
وكان آخر ذرائع النظام لعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين -وفق ما نشرته بعض وسائل الإعلام السورية الرسمية- هو بناء عقارات مخيم اليرموك بشكل "مخالف"، وفي حال هدمت كُليًّا أو جزئيًّا لن يسمح بإعادة بنائها "وسيطبق عليها التنظيم"، أما العقارات السليمة والقابلة للسكن فستجرى دراسة كل مربع سكني على حدة.
ولعُمقِ الأزمة واستمرارها، طالب مركز العودة الفلسطيني، الأربعاء الماضي، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بالضغط من أجل إعمار مخيم اليرموك، في العاصمة السورية دمشق.
غض الطرف
ودعا المركز مجلس حقوق الإنسان إلى اتخاذ تدابير جادة للضغط على حكومة النظام السوري، لترجمة وعود إعادة إعمار مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، موضحًا أنّ النظام السوري لا يزال "يغض الطرف عن مناشدات المدنيين للعودة الآمنة إلى منازلهم وممتلكاتهم، التي تتزايد سرقتها في المخيم وحوله".
وأُجبر سكان المخيم على النزوح خارجه، بعد المعارك الطاحنة داخله، وعلى تخومه، والقصف الجوي الذي طال الكثير من أحيائه.
وأحكم النظام السوري سيطرته على مخيم اليرموك بعد سنوات من حصاره، في أيار (مايو) العام الماضي، بعد عملية عسكرية انتهت بفرار معظم عناصر تنظيم الدولة، وعقد صفقة سرية مع من تبقى منهم نقلوا بموجبها إلى الريف السوري شمالًا.
وكان مخيم اليرموك آخر المناطق في العاصمة دمشق وريفها الخارجة عن سيطرة القوات السورية النظامية، وكانت تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة و"هيئة تحرير الشام" وتنظيم الدولة.
ويقول عضو مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية فايز أبو عيد: "إن النظام السوري أحكم سيطرته على مخيم اليرموك منذ نحو عام ونصف، وادعى مرارًا وجود عقبات تمنع عودة سكانه إليه".
مخلفات القتال
ويذكر أبو عيد لـ"فلسطين" أن أكثر الادعاءات التي روجت أن المخيم مدمر، حسب مسح ميداني أجراه، وأنه "غير قابل للسكن"، وأن المنع يرتبط بـ"سلامة الناس"، وعدم إصابتهم بالضرر من مخلفات القتال العسكري.
ويؤكد أن معظم الادعاءات التي يسوقها النظام السوري بأن منازل ومنشآت المخيم غير قابلة للسكن لا تمت للحقيقة بصلة، إذ هناك تصريحات رسمية سورية تقر بوجود 40% من منازل المخيم قابلة للسكن، و20% بحاجة لإعادة ترميم، و40% مدمرة كاملًا.
ويستدل أبو عيد في حديثه بوجود نحو 50 عائلة تقيم الآن في مخيم اليرموك، أغلبهم ليسوا من سكان المخيم الأصليين، ومن العائلات المنتمية للفصائل الموالية للنظام، مؤكدًا أنّ كل ادعاءات عدم أهلية المخيم للسكن محاولة "مكشوفة" من أجل إطالة أمد بقاء سكان المخيم خارجه.
وينبه إلى أن المخيم لا يزال معرضًا للسرقة، وما يعرف بظاهرة "التعفيش"، وقد وثق قبل أيام قليلة خروج شاحنة كبيرة محملة بأثاث وعفش ومقتنيات منازل اللاجئين الفلسطينيين، تحت أعين نقاط المراقبة العسكرية السورية على بوابات المخيم، وهو ما يمكن تفسيره بصورة أو أخرى بمنع عودة اللاجئين النازحين إلى بيوتهم حتى اللحظة.
أكبر المخيمات
ويلقى مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين أهمية لكونه أكبر المخيمات الفلسطينية في الشتات، ويُطلق عليه مُسمّى عاصمة الشتات الفلسطيني، ويبعد عن مدينة دمشق نحو ثمانية كيلومترات.
واعتقلت أجهزة الأمن السورية فور سيطرتها على المخيم معظم من تبقى من سكانه الفلسطينيين، رغم عدم تدخلهم في ساحة العمل السياسي والعسكري، واستقلاليتهم، ومن المعتقلين رئيس المجلس المدني في المخيم فوزي حميد.
بدوره يقول نائب رئيس المجلس المدني، نايف محفوظ: "إنَّ رفض السلطات السورية عودة سكان مخيم اليرموك لمنازلهم، وتأخر عملية الإعمار يؤسسان لاستمرار حياة القهر والقسوة بحق النازحين والمهجرين".
ويوضح محفوظ لـ"فلسطين" أن سكان اليرموك انقسموا قسمين: نازحين في المدن السورية، التي تسيطر عليها قوات النظام، وقسم آخر تحت سيطرة المعارضة، خاصة في الشمال السوري، وجميعهم يشتكون من الغلاء والإيجارات التي لا يقوون على دفعها مع البطالة والحالة الاقتصادية المتدهورة، ويرون أن حلم العودة لمنازلهم في المخيم يتعثر بقرار رسمي سوري.