فلسطين أون لاين

​أأبكي صداعي أم ألم نفسي؟

لم أدرِ ما ألم بي يومها.. حزن لا مبرر أطبق فكيه على روحي.. دموعي انسكبت غصباً عني.. لم تكن هي المرة الأولى التي أُصاب فيها بصداع عنيف (وأنا الميالة بطبيعتي للصداع، فيكفيني التعرض لصخب وأصوات مرتفعة لأشرع في نوبة صداع تكاد تفلق رأسي)، ولكن كانت المرة الأولى التي أبكي فيها على هذه الشاكلة.. شعرت وكأن نهايتي تقترب بحثاثة.. ألم عنيف يبدأ من منتصف الرأس ويمتد إلى أسفله هابطاً إلى الرقبة.. حاولت أن أنام.. بيد أن رأسي لم يحتمل ملامسة الوسادة، بل وازداد الألم عنفاً مع تلك المحاولة.

عدلت عن الفكرة، تناولت كأسًا من الحليب الدافئ، وجلست أضغط رأسي بين كفي عساني أستطيع إقناع الألم بجمع أمتعته والرحيل بعيدًا عني.. ولكن كان كل صوت يبلغ آذاني يزيد من حدة صداعي أضعافاً مضاعفة.

وعلى الرغم من ما أعانيه فقد أتممت مسؤولياتي كاملة تجاه الأسرة، حتى لم يتبق لدي ما أفعله سوى أن أريح نفسي ورأسي.. علني أصبح أفضل حالاً.

شاهدني زوجي أضم رأسي إليَّ كطفل مصاب بالحمى، فسألني بصبر نافذ: "ما بك؟"

قلت: "صداع عنيف يكاد يفلق رأسي".

بلا مبالاة قال:" اشربي حبة "أكمول".

أجبته: "تناولت واحدة قبل ساعتين".

لم يبدِ أي اهتمام، وكأنه لم يسمع شكواي.. بل تركني وغادر الغرفة وهو يعبث بهاتفه. أعلم تماماً أن ما من شيء يجعله يشعر بالضيق ونفاذ الصبر أكثر من أن أظهر ألمي وتعبي، عليَّ أن أكون تمام التمام دائماً.. متوقدة، مرتاحة، سعيدة.. لماذا لا أكون كذلك ونحن أسرة سعيدة؟ وهو لا يبخل عليَّ بشيء؟ أليس دخلنا يكفينا، وأبناؤنا فالحون في مدارسهم، ونمتلك من المقومات المادية ما يضعنا في مصاف الأسر السعيدة؟ ولكن ماذا أفعل؟ هل أنا آلة من حديد لا يصدأ؟ ألست من صنف البشر الذي لا يتعبون ولا يتألمون؟.

انكمشت على نفسي وحاولت استبعاد أفكاري التي رفضت إلا أن تزيد من ألمي وتسهم في إنهاك قواي.. كنت مشوشة إلى أبعد حد، ولا أتمنى إلا أن يسبغ النوم نعمته عليَّ ويريح جسدي وروحي.

ولا أدري كيف رحت في نوم عميق ما لبث الصداع وهزني وأيقظني مصراً على أن لا يدعني أهنأ بالراحة..

في الصباح كنت منهكة جداً وما زال الصداع رفيقي المخلص.. لم يسألني زوجي عن حالي وكيف أصبحت.. اكتفى بأن تناول الإفطار وذهب إلى شؤونه..

انزويت في غرفتي.. أكاد أنفجر حزناً وغيظاً وألماً.. ما أحوجني إلى شخص أتحدث إليه.. يسمع شكواي من دون تذمر.. يربت على كتفي من دون ضيق.. يفيض علي بحنانه من دون لوم. هاتفت أختي.. كانت مشغولة في شؤونها.. سألتني عني بشكل روتيني عابر.. لم أستطع أن أبوح لها بشيء.. ادعيت بأني أود الاطمئنان عليها.. وأغلقت الخط.. ثم انفجرت ببكاء مرير.

تمنيت لو أن أمي لا زالت على قيد الحياة.. لربما شعرت بمعاناتي حتى من دون أن أشكو.. ولسارعت لزيارتي والاطمئنان عليَّ ولضمتني إلى صدرها، ولبكيت على كتفها مثل طفلة صغيرة فقدت لعبتها.

تواصلت مع صديقتي.. كانت تضحك وتسألني إن كنت قد سمعت آخر نكتة.. تهربت منها معتذرة.. وانكمشت على نفسي.. لم أستطع أن أضبط نفسي، انهمرت دموعي وأخذت أنشج مثل طفل موجوع.

يا إلهي، لست إلا إنسان يبحث عن شخص يصغي إليه.. وكأن هذا العالم ينعدم فيه مثل ذاك الشخص.. أليس زوجي هو الأقرب إليَّ؟ أليس حري به أن يصغي إلى آلامي ويفيض عليَّ باهتمامه؟.