يهود يمارس بعضهم العنصرية ضد بعض؛ هكذا يبدو الحال في المجتمع الإسرائيلي الذي لا تقتصر فيه هذه الممارسات على اليهود من أصل إثيوبي الذين يعانون لأسباب عدة، منها لون البشرة، وإنما تمتد لتطال حتى الروس الذين جاؤوا منذ تسعينيات القرن الماضي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948م.
ويتألف المجتمع الإسرائيلي اليهودي من اليهود الغربيين والشرقيين، وأضيف إليهم لاحقًا اليهود الروس والإثيوبيون.
وتقول النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي عايدة توما: "إن هناك أشكالًا مختلفة من العنصرية بين اليهود أنفسهم تعتمد إما على اللون أو العرق أو الأصل"، مبينة أن الأشكناز من دول أمريكا وأوروبا يعدون أنفسهم الأكثر رقيًا وكفاءة.
وتضيف توما لصحيفة "فلسطين": "تظهر توجهات عنصرية تجاه اليهود الروس في (إسرائيل)، وتحديدًا النساء الروسيات الذين يتعامل معهن وكأنهن جميعًا (مومسات)".
وتوضح أن العنصرية تبرز في التعيينات بالوظائف، على سبيل المثال، إذ إن من المعروف أن من يسيطر على المراكز العليا في (إسرائيل) هم "الأشكناز البِيض"، وليسوا اليهود الشرقيين، أو الروس الذين هم "بِيض البشرة"، ولكنهم يعدون "مهاجرين جددًا"؛ فالتعامل معهم فيه "دونية".
ووفق حديث توما، يُنظر إلى اليهود الروس في المجتمع الإسرائيلي على أنهم أتوا من "وضعية اقتصادية أقل"، مبينةً أن هناك أفكارًا مسبقة مفادها أن غالبية اليهود الروس في (إسرائيل) متعلمون وحملة شهادات أكاديمية، لكن شُغِّلوا في وظائف غير مناسبة.
وتفيد أن هناك "هرمية" في المجتمع الإسرائيلي، وأن المهاجرين ذوي الأقدمية يتمترسون في المواقع "الجيدة"، وأي دخول إضافي عمليًّا ينافسهم على المواقع يتعاملون معه بعنصرية ورفض.
لكنها تشير إلى أن وضع اليهود الروس أفضل قليلًا من اليهود من أصل إثيوبي؛ لكونهم حملة شهادات أكاديمية، ما يعني إمكانية أن يتقدموا أسرع من معظم اليهود الذين جاؤوا من إفريقيا أو إثيوبيا مجموعة ضعيفة ليس لها شهادات أكاديمية، ما يعني أن فرص العمل والتقدم أقل.
انقلاب جوهري
من جهته يقول رئيس مركز الدراسات المعاصرة صالح لطفي: "إن اليهود الروس قدموا من الاتحاد السوفيتي سابقًا -تحديدًا روسيا وأوكرانيا- إبان سنة 1990م، ولهم علاقة قوية جدًّا بالحركة الصهيونية".
ويوضح لطفي لصحيفة "فلسطين" أن هجرة هؤلاء اليهود الروس أحدثت انقلابًا جوهريًّا في حياة المؤسسة والمجتمع الإسرائيليين، وتقدمت بهما خطوات هائلة إلى الأمام في مجالات الحياة كافة، تحديدًا فيما يتعلق بالعلوم، وقد هاجر من الاتحاد السوفيتي في تلك المرحلة آلاف من المفكرين وعلماء الفيزياء والكيمياء والفيزياء النووية والرياضيات وغيرها، وتركوا بصمات هائلة في كيان الاحتلال الإسرائيلي.
ويفرِّق لطفي بين العنصرية المتفشية في المؤسسة الرسمية الإسرائيلية تجاه اليهود من أصل إثيوبي والعنصرية التي يمارسها المجتمع الإسرائيلي اليهودي عمومًا تجاه اليهود الروس، قائلًا: "إن المؤسسة الرسمية تمارس نوعًا من العنصرية الممنهجة تجاه اليهود الإثيوبيين، بسبب لون بشرتهم، ومنهاج حياتهم، ومدى تقديمهم خدمات لـ(إسرائيل)".
وينبه إلى أن "الطوائف اليهودية" المؤسسة للمجتمع الإسرائيلي هي كلها "وظيفية"، بناء على ما تقدمه لـ(إسرائيل).
ويقول: "إن اليهود الروس شكلوا داخل المجتمع الإسرائيلي منافسًا لباقي "الطوائف اليهودية" داخل (إسرائيل) ومؤسساتها، لذلك هم تقوقعوا نوعًا ما في مدن كاملة أو أحياء كبيرة في مدن كبرى كحيفا و(تل أبيب) والقدس، ما يمثل دافعًا لممارسة العنصرية تجاههم".
ويفيد رئيس مركز الدراسات المعاصرة أن عدد اليهود الروس في دولة الاحتلال يُقدر بمليون و100 ألف، وهم بذلك يمثلون "الكتلة البشرية" الثانية في (إسرائيل).
ويحدد لطفي أربعة مظاهر للعنصرية ضد اليهود الروس، أولها اتهامهم بأنهم يتاجرون بنسائهم وبناتهم من ناحية جنسية، وثانيها الترويج إلى أنهم جاؤوا من مجتمع "ديكتاتوري" ولا يفهمون شيئًا في الديمقراطية، والثالث اتهامهم بأنهم أول من أسس المافيا والجريمة المنظمة الداخلية في (إسرائيل).
أما المظهر الرابع فهو أنهم يُتهمون بأنهم بحجم كتلتهم البشرية في المجتمع الإسرائيلي استولوا على مقدرات داخل (إسرائيل) عندما تمكنوا من التغلغل فيها وفي الحركة الصهيونية، وخدموا مصالح مجموعتهم البشرية قبل أن يخدموا المجموع اليهودي العام.
ويرى لطفي أن منع رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومة جديدة بعد انتخابات الكنيست الأخيرة، يمثل "رد فعل مباشر" على التهم الموجهة لليهود الروس في (إسرائيل).
بيد أنه يشير إلى أن ثلث اليهود الذين قدموا من الاتحاد السوفيتي سابقًا تركوا (إسرائيل) بسبب العنصرية، وهم الآن في كندا وألمانيا وأستراليا والولايات المتحدة.