أثار قرار السلطة الفلسطينية إغلاق مكتب قناة الجزيرة في الضفة الغربية وحجب موقعها الإلكتروني عن الفلسطينيين موجة من الانتقادات والاستياء، لا سيما في ظل تصاعد التوتر مع إسرائيل وحرب غزة.
وبررت السلطة قرارها بأن القناة "تمارس دورًا تحريضيًا وتضليليًا وتتدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي"، وهو ما نفاه مراقبون وصحفيون، مؤكدين أن القناة تقوم بتغطية الأحداث في فلسطين بشكل موضوعي وشفاف.
ويرى مراقبون أن قرار الإغلاق يأتي في سياق حملة أوسع على الحريات الإعلامية في فلسطين، وأن السلطة تسعى إلى فرض رقابة على وسائل الإعلام التي لا تتفق مع سياستها.
وقال صحفيون فلسطينيون إن إغلاق مكتب الجزيرة يمثل ضربة كبيرة لحرية التعبير ويحرم الفلسطينيين من مصدر مهم للأخبار والمعلومات. وأضافوا أن هذا القرار يتزامن مع حملة قمع تشنها السلطة على النشطاء والصحفيين.
وتساءل مراقبون عن توقيت هذا القرار، خاصة في ظل الحرب الدائرة على غزة، مشيرين إلى أن القناة تقوم بتغطية الأحداث في غزة بشكل مكثف، وتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل.
يُذكر أن مكتب قناة "الجزيرة" في الضفة الغربية مغلق بقرار من الجيش الإسرائيلي منذ 22 سبتمبر/أيلول 2024، حيث اقتحم الجيش المكتب وسلّم طاقمه قرار الإغلاق. وفي 2 يناير/كانون الثاني 2024، أرسلت السلطة قوة أمنية إلى مقر أرشيف قناة الجزيرة وسلمتها قرار الإغلاق، وبررت السلطة قرارها بما وصفته "إصرار الجزيرة على بث مواد تحريضية وتقارير تتسم بالتضليل وإثارة الفتنة والعبث والتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية".
مخالف للقانون
واعتبرت منظمة "مراسلون بلا حدود" القرار "غير قانوني" لأنه "لم يُتخذ من قبل السلطة القضائية"، ودعت السلطة إلى العودة عن قرارها بوقف عمل قناة الجزيرة في الضفة الغربية المحتلة، واصفة الإجراء بأنه "عمل رقابي غير مقبول".
وتنص المادة (27) الفقرة الثالثة من القانون الأساسي الفلسطيني على أنه: "تحظر الرقابة على وسائل الإعلام، ولا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقًا للقانون وبموجب حكم قضائي"، وهو ما يجعل القرار غير قانوني.
وتصاعدت موجة التنديدات الحقوقية بإغلاق القناة، إذ أكدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أن السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس وحكومته وأجهزته الأمنية ذهبوا بعيدًا في تداول الأدوار مع قوات الاحتلال، من الاعتقالات والتعذيب إلى القتل، وصولًا إلى قمع حرية التعبير والاعتداء على مهنة الصحافة.
وفي جنين، التي تشهد عدوانًا من أجهزة أمن السلطة منذ شهر، قُطعت خلالها الكهرباء والماء، استهجن مواطنون القرار بوقف بث قناة تنقل مأساة المخيم وتواكب أحداثه. وتساءلوا عن غياب القنوات الرسمية الفلسطينية في تغطية الأحداث التي شهدت مقتل الصحفية شذى الصباغ، وكذلك المواطن محمود الحاج مع ابنه وإصابة ابنته برصاص قناص من أمن السلطة، بينما تمارس القنوات الرسمية "تحريضًا على المخيم".
وتسود حالة من الاستغراب بين الصحفيين الفلسطينيين لحجب موقع قناة الجزيرة على شبكة الإنترنت، وهو ما اعتبره الصحفي من قطاع غزة، أحمد المصري، "تقييدًا للعمل الصحفي وحرية الإعلام في ظل العصر المفتوح الذي نعيش فيه".
ورأى المصري أن إغلاق موقع قناة الجزيرة يمثل محاولة لتقييد الوصول إلى المعلومات ومصادر الأخبار، وهو ما يجعل الجزيرة، الرائدة في هذا المجال، محدودة التأثير.
وفي السياق ذاته، عدّ المصري الخطوة تضييقًا على حرية التعبير وحرية الإعلام، ما يدفع المؤسسات والصحفيين إلى التعامل بحذر خشية تقييد تغطيتهم أو تعرضهم لعقوبات مشابهة لما حدث مع الجزيرة
وقال المصري، الذي تفاجأ صباح اليوم بعدم قدرته على الوصول إلى موقع الجزيرة: "قناة الجزيرة ومواقعها الإلكترونية مشهود لها بالريادة، وحظرها يُضعف التغطية الإعلامية والدولية لنا كفلسطينيين، بما تمثله من مصدر مهم للأخبار".
تكميم الأفواه
ما قامت به السلطة تجاه قناة الجزيرة يأتي، وفق الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف، في سياق تكميم الأفواه وتغييب أي رأي مخالف، وهو ما يتنافى مع تطلعات الشعب الفلسطيني الذي يسعى إلى كشف الحقيقة بكل وضوح
وقال عساف لـ "فلسطين أون لاين": "إن حجب قناة الجزيرة يأتي ضمن سلوك السلطات القمعية، والأمثلة كثيرة في العالم العربي عن قمع الحريات"
وأشار عساف إلى أن السلطة، رغم إقدامها على إغلاق مكتب قناة الجزيرة، لم تجرؤ على المساس بمكاتب قنوات تنشر مواد تضليلية عن الشعب الفلسطيني وتخدم الرواية الإسرائيلية، مرجعًا ذلك إلى رغبة السلطة في عدم إزعاج حكومات تلك القنوات.
وعن أهداف القرار، رأى عساف أن السلطة تسعى إلى منع القناة من تسويق رواية المقاومة أو أي رأي مخالف لسياساتها. وأشار إلى أن السلطة، منذ بداية الحرب على غزة، انتقدت سلوك المقاومة واتهمتها بالتسبب في الدمار، مما يمنح الاحتلال ذرائع لارتكاب المزيد من الانتهاكات. "هذا غير مقبول؛ فصراعنا مع الاحتلال صراع وجود يجب أن يُجابَه بالمقاومة"، يقول عساف.