فلسطين أون لاين

​حين تفتر العلاقة الدافئة بين الإخوة بعد وفاة الوالدين

...
غزة - هدى الدلو

يختفي بريق الحياة بعد رحيل عمودي البيت (الأب والأم)، بعد اختفاء من كان سبب الوجود في الحياة، فبعد وفاة الوالدين تعيش الأسرة في مرحلة أقرب إلى الاختلال والاختلاف في اتخاذ القرارات المصيرية، خاصة فيما يتعلق بهم جميعًا، فالأول يوافق والآخر يعارض، هذا من جانب، ولكن من جانب آخر نرى أن ذلك ينعكس على مستوى علاقاتهم بعضهم ببعض، والتي تصبح أشبه بالرسمية، فما السبب في تغير العلاقة القائمة بين الأبناء بعد وفاة الآباء؟ التقرير التالي يبحث في هذا الأمر.

رسمية العلاقة

بدور شادي (37 عامًا) بعد وفاة والديها شعرت بالأزمة، فالبيت مكتسٍ بالكآبة، لم تستطع المكوث في البيت بعد وفاتهما، وانتقلت للعيش عند أخيها لفترة مؤقتة إلى أن تتأقلم على الوضع الجديد.

وقالت: "الأم والأب هما الحاضنة التي تجمعنا ببعضنا، فكانوا بمثابة الملتقى الذي يتجمع عنده الإخوة والأخوات للاطمئنان عليهما، ومعرفة أخبار بعضنا، ولكن بعد وفاتهما تغيرت طبيعة العلاقة مع بعضنا دون سبب، لمجرد انقطاع الحبل الأساس الذي كان يجمعنا".

ويقول سليمان عمار: "بعد وفاتهما تجمع إخوتي مع بعضهم بقيادة أخي الكبير ليتفقوا على أن يكونوا يدًا واحدة، وأن يحافظوا على علاقتهم بعضهم ببعض دون أي تغير أو اختلاف، وأن يستمروا في زياراتهم الأسبوعية كنوع من التواصل، لكن لا شيء يُجدي، لقد تحولت العلاقة إلى أشبه بالرسمية في المناسبات".

حلقة مفرغة

ويرى أحمد سعيد (33 عامًا) أنه بعد فقدان كبير العائلة يشعر الجميع بأن هناك حلقة أصبحت مفرغة، وهي التي كانت تصلهم ببعضهم، فلا أحد يستطيع أن يقوم مقامه، ويحل مكانه في السيطرة على الأمور.

وأوضح أن السبب في تغيير طبيعة العلاقة بين الإخوة بعد وفاة الوالدين أن البديل الذي يتحمل المسؤولية لا يمتلك القدرة على تحمل العبء في استيعاب الجميع، ما يؤدي إلى تحديد شكل العلاقة بين الإخوة.

وأشار سعيد إلى أنه كان قبل وفاتهما يشعر أن من واجب والديه عليه زيارتهما ومعرفة أخبارهما والاطمئنان عليهما بشكل مستمر، والذي يجمع هو بيت والدهم، أما فيما بعد فلا يكترث في عمل زياراتٍ لإخوته، لا سيما أن كل واحد منهم مُستقل في بيت خاص به، وينتظر مبادرة الآخر، وتتحول الزيارة إلى شكل السداد والدين، خاصةً في ظل انشغال كل منهم بأسرته.

العلاقة والمتغيرات

من جانبه، قال الأخصائي النفسي والتربوي إسماعيل أبو ركاب: "في البداية يعد فقد الوالدين أو أحدهما صدمة قوية على الأبناء لا يستطيعون الخروج من آثارها إلا بمرور الوقت، فمعيار استمرار العلاقة المستقبلية بين الأبناء مرتبط بعدد كبير من التغيرات، منها عمر الأبناء، والمدة التي قضاها الوالدان معهم، ومقدار العلاقة التي تشربوها من الوالدين قبل الفقدان".

وأضاف: "كل هذه العوامل مجتمعة هي التي تحدد معدل ومنسوب العلاقة، فإذا كان الأبناء في سن أقل من فترة المراهقة فعند فقدان الوالدين أو أحدهما نجد أن الأبناء يكونون أكثر قربًا، وأن علاقة وجدانية توحدهم لأن تواجدهم جميعًا يعوض جزءا كبيرا من الشعور بالنقص، فتعم الألفة والمحبة والترابط".

وأوضح أبو ركاب أنه إذا تم فقد الوالدين أو أحدهما في عمر أكبر، فإن طبيعة الشخصية في هذه المرحلة أو المراحل التي تليها تميل إلى الاستقلالية الذاتية، والاعتماد على الذات، لذلك نجد أن البعض يميل إلى العزلة والابتعاد عن المحيط الاجتماعي والأسري، وهذا ما يجعل العلاقة تكون بشكلٍ رسمي يبعد عنها الجانب العاطفي أو العلاقة الحميمية.

وأشار إلى تغير الجانب الفطري في شخصيات الإخوة, ويصبح المحدد الإنساني محددًا ثانويًا من السهل البناء عليه، ويكمن الأمر الثاني الذي من الممكن أن يؤثر في تغيير الصورة الإيجابية للتعامل بين الإخوة هو علاقة المحيطين مع الإخوة، فكلما شعر الأبناء بالخطر والتهديد زاد تقربهم من بعضهم، حتى لو اختلف العامل العمري لهم, فالأصل الفطري للعلاقة أن تكون بناءة وإيجابية لتزيل جميع التهديدات.

وحذر أبو ركاب من أن شعور الإخوة بانفصالهم عن بعضهم، يزيد من العبء النفسي الإضافي؛ فقلق المستقبل وتدمير مفهوم الذات هو العامل الأساس والبنيوي لهؤلاء الأبناء.

وبين أن العبء الأكبر يقع على الابن أو الابنة الأكبر، لذلك نجد أن حدة الضغط تقع على الأكبر فالأصغر، فهذه النمطية الاجتماعية لتقليد الأدوار داخل الأسرة، ولكن في المحيط يقع الدور في تحسين العلاقة على الأقارب من الدرجة الأولى، لذلك نجد أن بعض الأقارب يحاولون بقدر الإمكان تعديل تلك السلوكيات، ولكن للأسف الشديد أن الأقارب والمحيط ليس لديهم الصبر والمرونة الكافية للاستمرار بالمتابعة.

وختم أبو ركاب بضرورة التذكير بمسؤولية كل شخص، وتوزيع الأدوار ومتابعة المهام الشخصية والمساعدة في إدارة الوقت، ما ينعكس إيجابيًا على الأسرة ككل.