فلسطين أون لاين

​النقش وكرة السلة والكاراتيه.. ثلاثية محمد طوطح في تحدي البتر

...
عندما تكتمل اللوحة تبدو كأنها طبعت على رمل البحر
غزة/ يحيى اليعقوبي:

يحفر بيديه على رمال شاطئ البحر لساعة أو ساعتين أو أكثر تحت لهيب قرص الشمس المتوهج، لكنه لا يكترث فتنتهي الرسمة وكأنها طبعت على ورقة أو لوحة فنية وليس على الرمال. وفي مشهد آخر يتنقل بمهارة بين صفوف لاعبي كرة السلة لذوي الاحتياجات الخاصة بكرسي متحرك، ويتلاعب بالكرة على طريقته ويتجاوز الخصوم ويرمي الكرة فتنزل في الشباك محرزًا الأهداف، حتى بات يعد من أفضل اللاعبين، ويعد أيضًا اللاعب الوحيد في لعبة الكاراتيه من ذوي الإعاقة على مستوى قطاع غزة.

صاحب هذه المواهب الثلاث هو الشاب محمد طوطح (32 عامًا) يسكن في حي الزيتون، جنوبي مدينة غزة، وهو يعمل في مهنة لا تناسب وضعه الصحي ولا ظروفه كشخص موهوب، ويحتاج إلى تبنٍّ واحتضان.

صاروخ يبتر القدم

بداية القصة؛ عام 2008م، طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منازل المواطنين في قطاع غزة، أحد الصواريخ أصاب منزل طوطح. يرجع بذاكرته عند ذلك اليوم في أثناء حديثه مع صحيفة "فلسطين": "سقط عمود الباطون على قدمي، وبقيت نصف ساعة أنزف حتى جرى إسعافي (...) كان المشهد صادمًا وموقف بتر القدم صعبًا، كنت أحدث نفسي: كيف سأكمل حياتي؟".

لكن محمد عدَّ نفسه وُلِد من جديد بعد أول يوم من البتر، وقرر تحدي الإعاقة بعد تلقيه العلاج في مصر، وأول التحديات هو الزواج، فرزق بثلاثة أبناء وبنت واحدة وهم: براء (8 سنوات)، وبكر (4 سنوات)، ولانا (عامان)، ومنيب (10 شهور).

وفي عام 2012 كان محمد في رحلة عائلية على شاطئ البحر، فنقل تجربته في خطه الجميل من الورق إلى النقش على الرمال، وكتب اسم غزة. يستذكر تلك الرسمة وهو يتكئ على عكازيه ويجلس على أحد المكاتب في نادي السلام الرياضي لذوي الاحتياجات الخاصة: "لاقت إقبالًا كبيرًا حينها، وهناك من دعاني للاستمرار".

وهكذا بدأ محمد موهبته في مجال النقش على رمال البحر، فمع إشراقة كل صباح وبين الحين والآخر وفي المناسبات الوطنية، يتجه إلى شاطئ البحر، ويبدأ برسم الكلمة التي يريدها باستخدام أدوات حفر صغيرة.

وعندما تكتمل اللوحة تبدو كأنها طبعت على رمل البحر، وتزداد بريقًا حينما يلون نقوشه.

وأمسك هاتفه المحمول بني اللون مقلبًا الصور التي مسحتها مياه البحر، وتوقف عند رسمة كتبها "طاقات لا إعاقات"، واستمر في تقليب الصور حتى وقعت عينه على رسمة له في يوم الجريح الفلسطيني رسم فيها خريطة فلسطين ولونها بالعلم الفلسطيني وكتب عليها "جرحك جرحى".

لا يزال يقلب في صور هاتفه المحمول حتى عثر على آخر نقشة رسمها لوالدته في يوم الأم كتب "أمي" باللون الأحمر بمساحة 16 مترًا مربعًا. وصادفتنا في رحلة تقليب الصور كلمات جميلة كتبها بخطي النسخ والكوفي وأخرى حديثه مختلفة منها "رغم المعاناة"، و"إقدام بلا أقدام"، و"من للقدس إلا أنت"، ورسومات على البحر لشهداء وقادة فلسطينيين مثل الشهيد أحمد ياسين، والرئيس الراحل ياسر عرفات، والشاعر الراحل محمود درويش، ليكتمل معه جمال الخط بروعة الرسم.

حلم لم يكتمل

لكن ماذا يحلم محمد؟ تخرج تنهيدة من أعماق قلبه امتزجت بالحزن في رده: "لم أجد من يتبنى موهبتي من الجهات المسؤولة خاصة النقش على رمل البحر (...) أحلم بالسفر للخارج والمشاركة بمحافل دولية وعرضت موهبتي، وأن أركب طرفًا صناعيًا فمنذ 11 عامًا ولم تنجح محاولاتي في تركيب طرف، لكون عملية البتر تمت من فوق منطقة الفخذ حتى أمارس حياتي طبيعية".

ومع ذلك لم يستسلم، وكانت بوابته هذه المرة كرة السلة لذوي الإعاقة، وانخرط في فريق نادي السلام، وتعلم مهارات هذه اللعبة حتى وصل إلى الاحتراف وبات من أفضل اللاعبين على مستوى القطاع في هذه اللعبة من ذوي الإعاقة يتميز بأنه سريع الحركة.

من كرة السلة إلى "الكاراتيه" يواصل محمد تحدي البتر، وقد تعلم قبل عامين لعبة الكاراتيه، حتى حصل على الحزام الأسود.

لكن المختلف في هذه اللعبة لذوي الإعاقة، أن لاعب الكاراتيه يقدم الكرسي المتحرك بدل قدمه، يقول إنه اللاعب الوحيد في القطاع الذي يمارس اللعبة حاليًا، حاول المشاركة في بطولة عربية بالأردن لكن الاحتلال منعه من السفر عبر معبر بيت حانون "إيرز".