هو أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن عبية، شهاب الدين قاضي القدس الشريف الشهير بابن عبية المقدسي الأثري الشافعي.
ولد في 12 ربيع الأول (831ه/ 1427م)، واشتغل بالقدس الشريف, وحصّل معارفه الأولى فيها، وولي قضاء بيت المقدس. اشتهر بحسن النظم وجمال الخط وشدة الأسر في الوعظ والخطابة. واشتهر بمواقفه الجريئة الشجاعة, ولعل أشهرها وقفته ضد السلطان قايتباي الجركسي المملوكي في قضية هدم كنيسة اليهود في بيت المقدس، حيث أمر قايتباي بإعادة كنيسة اليهود بالقدس الشريف بعد هدمها، وعاقب مجموعة من كبار العلماء والقضاة, منهم: الشيخ الجليل برهان الدين الأنصاري الخليل، وقاضي بيت المقدس شهاب الدين ابن عبية، بسبب هدم الكنيسة حتى حملوا إليه، وضرب بعضهم بين يديه، وقد شنّع ابنُ عبية على قايتباي في ذلك، وبالغ في حقه, حتى زعم أنه لم يفعل ذلك إلا لمودة بينه وبين اليهود، وتعصب منه على الدين، وقد استوفى القصة مجير الدين الحنبلي العليمي صاحب الأنس الجليل؛ حيث روى كيف أصدر القاضي ابن عبية أوامره المشددة بعدم صلاة اليهود في كنيستهم؛ لأنه ثبت لديه أنها محدثة في الإسلام, وليست قديمة, وأنه لا حق لهم فيها, بل إنها من جملة أوقاف المسجد الأقصى، واعترض على فتوى علماء مصر في إعادة بنائها, وإرجاع وقف دار يهودية لهم، وهو الأمر الذي رفضه السلطان وأصر على موقفه، وأصدر مرسوماً بذلك، فلم ترض العامة ومشايخ الطرق الصوفية بإرجاع الكنيس، فحدثت في القدس ضجة يتقدمها قاضي الشافعية ابن عبية وبعض القضاة، وأرسلوا كتباً للسلطان يتهمونه فيها بممالأة اليهود وأظهر اليهود غبطة كبيرة بما حصل، فطلب السلطان ابن عبية وبرهان الدين الأنصاري وآخرين إلى مصر مخفورين بالحراسة مُهانين لمعاقبتهم بعدما أصروا على هدم الكنيس, وتحدوا السلطان, وهدموه فجرت بذلك محنة كبيرة لهؤلاء العلماء والقضاة. بعد ذلك عُزل ابن عبية من منصبه, وأوذي, وضرب, فارتحل إلى دمشق, وسكن بها واشتغل بالوعظ والإرشاد بالجامع الأموي.
وقد سجّل ابن عبية موقفه وشعوره من هذه المحنة في قصيدة طويلة, بدأها مستغيثا بالله مما أصابه أولها:
يا رب مس الضـر قلبي وانكسر*** فاجبر لكسري أنت أرحم من جبر
وأغث فقد أمسيت منقطـع الرجـا *** مما سواك وما بغيرك يُنتصَــر
ناداك في الظلمات يونس ضارعـا *** وكذاك أيوب وقد عظـم الضرر
توفّي بدمشق ليلة السبت ثالث جمادى الأولى عام (905هـ/1499م)، ودُفِن شمالي ضريح الشيخ حماد في مقبرة باب الصغير.