تتهافت على قنواتنا العربية ما يسمى المسلسلات المدبلجة، منها التركي، ومنها الهندي، وأصناف أخرى تواكب (موضة) العام، لا تمت إلى ثقافتنا ولا عاداتنا بصلة، فكيف نستقبل كل هذا دون وعي منا ولا إدراك؟!
حقيقة إن قنواتنا العربية مسوق جيد لثقافة الغرب، ومعول حاد للغرب بيننا، فهي التي تقوم بما لم يستطيعوه هم، ألم يكونوا هم الواسطة التي تنقل لنا كل الثقافات الدخيلة، وتروج لها؟!، لقد أحكمت القنوات هذه على المجتمع قبضتها، وسطوتها، فتجد الأم مشغولة بمتابعة المسلسل التركي، وإلى جانبها أبناؤها، ينهلون من هذه الثقافة بما فيها من السلبية، والأفكار المستوردة، والتصرفات الخارجة عن إطار الحياء، وربما رأت أبناءها يتابعون "الهندي" وقد فتك (الأكشن) بعقولهم وباتوا لا يستطيعون تفويت حلقة واحدة، بل يتركون دراستهم، وأشغالهم، وهم يلتزمون الجلوس إما قبالة التلفاز للمتابعة، وإما على الشبكة العنكبوتية لتحميل الحلقات.
وليست مسلسلاتنا العربية بمنأى عن ثقافات الغرب، بل ربما تولت نهجهم، وسارت على منوالها، فسهلت تدحرج الثقافة إلينا من طريق أبناء جلدتنا، فكانت تقوم بالمهمة بشكل أسهل، وكما يقول المثل: "السوس منا وفينا"، عندما تسأل أحدهم يقول لك: "المسلسل سوري، ما فيه شي"، وربما تذهل من مسلسلات العرب اليوم، فقد لبست ثوب الثقافة الغربية، وخرجت لنا به.
نتساءل عن أسباب تفكك الأسر، وانحدار مستوى الأخلاق، وانخفاض منسوبها، ولا نتذكر الكم الهائل من الوقت الذي يُقضى قبالة الشاشات، أو على الشبكة العنكبوتية بلا رقابة منا، وربما كنا نحن بالدرجة الأولى قدوة لأبنائنا، إلى درجة أن بعض المسلسلات وصلت إلى درجة القداسة، فتؤجل الأعمال إلى ما بعد المسلسل، والزيارات كذلك، فالحلقة مهمة وربما حسمت أمر البطل، وغاب عن فكرنا أنها قصة، حبكت لتأخذ بألبابنا، وأنها مؤسسات ربحية بالدرجة الأولى، ومؤسسات مدسوسة من جهات معينة، فهل العالم يحب العرب إلى درجة ترجمة المسلسلات من أجلهم؟!، إن قنواتنا العربية لم تعد ترعى فينا إلًّا ولا ذمة، بل هتكت براءتنا، وشوهت مفاهيم أبنائنا، وأهدرت أوقاتنا بلا طائل.
إن وسائل الإعلام لها سلطة على العقول بنسبة كبيرة، ولها دور شاهق الأبعاد، مترامي الأطراف في تشكيل العقول، بالسلب أو الإيجاب، السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل وسائل الإعلام لدينا تعمل لنا أم ضدنا؟، إن وسائل الإعلام مسؤولة عن المادة المقدمة للمجتمع، والمجتمع يستطيع أن يقف أمام هذه المؤسسات، إن رفض المادة المقدمة، لا أن يستهلكها بنهم شديد، الأمر الذي شجع هذه المؤسسات الإعلامية على التمادي في العبث بالعقول.
لقد أوشكت مفاهيمنا على الاختلال، وعاداتنا الطيبة على الانقراض، وثقافتنا على الاندثار، وقنواتنا على الاحتلال، نعم، الاحتلال في أبشع صوره، ألا وهو احتلال العقول وتخريبها، وتغيير ملامحها بحيث تنسى معالمها الحقيقية حتى تبدو لنا عقولًا غربية بامتياز.
على المؤسسات الإعلامية أن تكون داعمة للثقافة التي تنتمي إليها، لا معول هدم لها، وعلى هذه المؤسسات أن تعيد صياغة ما أفسدته، وعلى المجتمع محاسبة المستثمرين بعقولنا بطريقة وحشية، ولا يعيد الحال إلى حاله إلا من غير أبعاده، والمقال إلى مقاله إلا من عبث في تركيب الجمل، وتشويه المعاني، وكما قالوا: "اللي شبكنا يخلصنا"، والآن من سَيّرَ العقول إلى أزمتها هذه عليه أن يجد الترياق لشفائها.