فلسطين أون لاين

كالتناوب على سيارة أجرة

الحاجة تدفع أرباب الأسر إلى تقاسم فرصة عمل واحدة

...
صورة تعبيرية
غزة - عبد الله التركماني

يتقاسم الشقيقان مصطفى وإبراهيم الحلو العمل على سيارة أجرة تشاركا في شرائها قبل نحو عامين، لإعالة أسرتيهما وتوفير أدنى متطلبات الحياة لأطفالهما.

الشقيقان اللذان فقدا عملهما نتيجة الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة فضلا تقاسم مصدر الدخل عن البقاء جلوسًا في المنزل بسبب صعوبة الحصول على فرصة عمل. الأكبر سنًّا هو مصطفى (29 عامًا) الذي كان يعمل في ورشة حدادة قصفت خلال الحرب، ويعمل على سيارة الأجرة خلال المدة الصباحية، وعند أذان العصر يجب عليه تسليم السيارة إلى شقيقه إبراهيم (27 عامًا) الذي كان عاملًا في مصنع لمواد البناء هدم في الحرب نفسها.

بيع المصاغ الذهبي

قال مصطفى الذي يسكن في مخيم الشاطئ لـ"فلسطين": "بعد أن فقدت أنا وشقيقي مصدري رزقنا خلال الحرب الأخيرة قررنا شراء هذه السيارة، بعد أن بعنا المصاغ الذهبي الخاص بنسائنا؛ فلم يكن لدينا أي أموال، والحمد لله أننا استطعنا توفير مصدر رزق جديد دون الحاجة إلى أحد".

وبين أن تقاسم العمل بين الشركاء يقلل من نسبة الأرباح الفردية، ولكنه يضمن توفير أدنى المتطلبات الحياتية، وعدم الحاجة لطلب المساعدة من أحد، وأضاف: "السيارة تكسبنا ربحًا يوميًّا بمقدار 60 شيكلًا، أنال منها 30 شيكلًا، وشقيقي كذلك ينال مثلها".

ولفت النظر إلى أن هذا المبلغ يكفل توفير الاحتياجات الدنيا ليوم واحد فقط للأسرتين، ما يعني أنه إذا ما عطبت السيارة لسبب فني؛ فإن أسرتيهما ستقضيان اليوم بلا طعام ودون تلبية أي احتياجات.

وبيّن أنه وشقيقه وضعا شرطًا في شركتهما في هذا العمل، وهو تقسيم ساعات العمل وأرباحه بالتساوي، ولكن في حال قرر أحدهما عدم العمل في أحد الأيام يكون للشريك الآخر الحق في العمل طيلة ساعات النهار مع أخذ الربح كاملًا.

وأصبح تقاسم فرصة عمل واحدة ظاهرة آخذة بالاتساع في قطاع غزة، بسبب صعوبة الحصول على فرصة العمل في مجتمع فلسطيني بلغت نسبة الفقر فيه 65 من المئة، ونسبة البطالة التي تعد الأعلى على مستوى العالم 43 من المئة.

حاجة تعليمية

ومثل مصطفى وإبراهيم يتقاسم محمد وعبد الرؤوف الحاطوم العمل على عربة لبيع الذرة المسلوقة والمكسرات على شاطئ بحر غزة، فيعمل محمد (24 عامًا) في الصباح، ويتولى عبد الرؤوف (23 عامًا) العمل في المساء.

بين محمد الذي يدرس التجارة في جامعة القدس المفتوحة بغزة لـ"فلسطين" أنه يضطر إلى العمل على عربة الذرة خاصته من أجل توفير المال لإكمال مشواره التعليمي، مشيرًا إلى أن والده الذي كان يعمل داخل فلسطين المحتلة عام 1948م عاطل عن العمل، ولا يستطيع توفير احتياجات أبنائه التعليمية.

وذكر أن شقيقه عبد الرؤوف يساهم في إعالة أسرته مما يجنيه من ربح من بيع الذرة والمكسرات للمتنزهين على شاطئ البحر، وعمله في الصباح ببيع الخضراوات في سوق الشيخ رضوان شمال مدينة غزة.

مقاومة التسول

المتخصص الاجتماعي إياد الشوربجي يرى أن الحاجة وعدم توافر فرص عمل هما الدافعان الأبرزان وراء توجه المواطنين وأرباب الأسر إلى تقاسم فرصة عمل واحدة بينهم، من أجل المساهمة في إعالة أسرهم.

وقال الشوربجي لـ"فلسطين": "دون هذا المسار إن الخيار الأخير أمام أولئك العمال هو التسول، لذلك هذا المشهد الذي بات جزءًا من المجتمع الفلسطيني يعد مظهرًا من مظاهر مقاومة الفقر والبطالة"، مشيرًا إلى أن ارتفاع نسبتي البطالة والفقر زاد من نسبة التسول في قطاع غزة.

ولفت النظر إلى أن تقاسم فرصة العمل الواحدة بين أكثر من شريك لا يوفر حياة كريمة بالصورة الجيدة، ولا يتخطى تأثيرها تلبية الاحتياجات الضرورية للأسرة، وربما أدنى من ذلك.

وبين الشوربجي أن تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية جعل الفلسطينيين في غزة يمرون بضائقة مالية، وتسبب بتدني فرص العمل ومصادر الدخل، وانعدام مستويات الأمن الغذائي، مشيرًا إلى أن الأوضاع الاقتصادية انعكست سلبًا على الحياة الاجتماعية أيضًا.

وأضاف المتخصص الاجتماعي: "الجانب الاقتصادي هو عصب الحياة، وينعكس على الحياة الاجتماعية، فأدى التدهور إلى انحصار تفكير المواطن في توفير لقمة العيش لأبنائه، حتى لو اضطر إلى تقاسم فرص العمل مع أصدقائه أو أشقائه".