عنيت الشريعة الإسلامية بالسلم المجتمعي وبعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، ولأن المجتمع عبارة عن مجموعة من الأسر وهذه الأسر تربطها علاقة ومعاملات وجوار، لذا فقد حث ديننا الحنيف على حُسن الجوار والمحافظة على حقوق الجار، لقد أمر الله (تعالى) بالإحسان إلى الجار، فقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}.
فالعبادة الصحيحة الكاملة هي التي تؤدي إلى معاملات حسنة، ومنها حسن الجوار، والجيران أنواع: أما النوع الأول، فهو الجار ذو القربى وله ثلاثة حقوق: حق الإسلام، وحق القرابة، وحق الجوار، وأما الثاني: فهو الجار الجُنب، وله حقان: حق الإسلام وحق الجوار، وأما الثالث: فهو الصاحب بالجنب وله حق الجوار وإن كان غير مسلم، ويدخل في النوع الثالث أيضًا كل من يجاورك في حضر أو سفر من زوج أو زميل...
لذا جعل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) الإحسان للجار من علامات الإيمان الصحيح الكامل، فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُحسن إلى جاره" بل نفى كمال الإيمان عمن لا يكترث بمعاناة جاره فقال: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جواره جائع وهو يعلم به"، وقال عليه الصلاة والسلام: "ظل جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".
أما المرتبة الثانية التي تلي الإحسان إلى الجار فهي عدم إيذائه ولا بأي شكل من الأشكال، فقد ذُكرت لرسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) امرأة تصوم النهار وتقوم الليل ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: "لا خير فيها، هي في النار"!
ونفى صفة الإيمان الحقيقي عمن يؤذي جيرانه فقال: "واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ: مَنْ يا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذي لا يأْمنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ". قالوا: وما بوائقه؟ قال: شروره وأذاه.
وأما المرتبة الثالثة: فهي الصبر على أذى الجار، جاء رجل إلى النبي (صلّى الله عليه وسلّم) فقال: "يا رسول الله إن لي جارا يؤذيني" فقال: " اذهب فاصبر "، فأتاه مرتين أو ثلاثا، فقال: " اذهب فاطرح متاعك في الطريق "، وكلّما مر عليه أحد يقول له ما شأنك؟ فيقول: جاري يؤذيني، فصار الناس يلعنون ذلك الجار المؤذي الذي سمع بذلك فذهب يستعطف جاره أن يعود لداره وتعهد له بألا يؤذيه.
أيها الأحباب: إن حسن الجوار من الأمور التي تبارك في الأعمار وتعمر الديار، وقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "التمسوا الجار قبل شراء الدار، والرفيق قبل الطريق".