تحدثنا في الأسبوع الماضي عن مسئولية السلطة الحاكمة والمؤسسات الأكاديمية عن تفشي البطالة في المجتمع وقدمنا أفكارًا مطروحة سابقًا، لكن لا نرى من ينفذها!
ونناقش هذا الأسبوع مسئولية كلٍ من الأسرة والشاب نفسه.
واحدة من مشكلات التربية في مجتمعاتنا، أن الآباء يربون أبناءهم كما تربوْا هم في صغرهم، مع أن الزمان مختلف جدًا، وصدق من قال: "لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"، وواحد من أشكال هذه المشكلة هي توريث التخصص أو المهنة، ولستُ هنا معترضًا على نقلها لمن يرغب ويحب من الأبناء، لكن نسبة كبيرة منهم تجد نفسها مجبرة أن تكون صورة كربونية عن تجربة سابقة في العائلة كالأب أو الأم أو أحدِ الأقرباء!
والأهل –إذ يمارسون هذه الوصاية- يريدون تأمين مستقبل أبنائهم دون الخوض في غمار الحياة وتجاربها، معتقدين بذلك أنهم انتشلوه من مستقبل مجهول، لكن المشكلة تكمن في أن الوظائف أو المهن التي وجد فيها الآباء مكانًا لهم، قد لا يوفق الأبناء لمكان فيها، ومشكلة ثانية هي في فِقدان الرغبة والحافز لهذا الوريث، فقد تكون هذه الوظيفة أو المهنة غير متلائمة مع ما يرغب، ولا متناسبة مع قدراته العقلية والجسمانية ..إلخ، وبهذا تكون فرص الفشل هنا أكبر.
أما الشاب نفسه –جامعيًا أو غير جامعي- فهو المسئول عن نفسه قبل أي جهة أو أحد، ونجاحه أو فشله في هذه الحياة معلقان في رقبته، فعليه أن يعيَ أن قبوله بما لا يتلاءم مع رغباته أو أحلامه، يكون أول مسمار يدق في نعش دمار حياته، ومن جهة ثانية عليه أن يطور من ذاته ولا يقف عند ما تعلم ودرس، فالتعليم الجامعي –مثلًا- لا يعطي دارسه أكثر من 50% من المعارف والمهارات التي تلزمه في الحياة العملية، فإن اكتفى بها فلن يحصل على أي وظيفة.
كما أن اكتظاظ السوق يجعل من العسير قبول أي أحدٍ يحمل شهادة أو يمارس مهنة، فلا مكان للعاديين، وإن لم تكنِ الأفضل، فلن تجد لك مكانًا بسهولة، وهنا أذكر مديرًا لإحدى الصحف المحلية كان يقول: "على أساس أن أُسرّح (5) موظفين، لأستبدلهم بواحد جديد يضيف بصمة مختلفة لصحيفتي"، فأن تكون مميزًا متفردًا هو الشهادة الأهم والصنعة الأفضل للقبول في سوق العمل... وما أتحدث عنه هنا ليس تعجيزًا، فمجرد دراستك أو تعلمك تخصصا/مهنة تحبها بشغف، هو الطريق لتكون الأفضل، أما الاختيار الخطأ وعدم دراسة الأمر بجِدية، سيؤديان بك إلى "سوق البطالة".