فلسطين أون لاين

​أصدرت كتابها في إيطاليا

أبو حمدية.. جابهت السرقات الإسرائيلية بالحفاظ على موهبتها بالطبخ

...
غزة- هدى الدلو

اعتدنا أن نسمع عن سفر البعض للحصول على شهادة بالدراسات العليا أو لدراسة الطب والهندسة وغيرها من التخصصات، ولكن ضيفة تقرير صحيفة "فلسطين" سافرت إلى إيطاليا لدراسة الطبخ، ذلك الشغف الذي تعتقد أنه ولدت مزروعة في داخلها جينات حب الطبخ، وطورتها عن طريق الدراسة والسفر والتعلم، فهذه الموهبة استثمرتها في نشر الثقافة الغذائية، والتراث الفلسطيني في الأكلات، وبدأت هناك في بلاد الغربة برحلة نضال لمواجهة سرقات الاحتلال الإسرائيلية للأطباق الفلسطينية، فهو جزء من التراث والثقافة والهوية.

الفلسطينية فداء أبو حمدية من الخليل، اتخذت من حبها للطبخ وسيلة للتعبير عن حبها لفلسطين ونشر ثقافتها وتراثها الذي يحاول الإسرائيليون سرقته وتزويره.

إيطاليا والطبخ

في عام 2004م كانت وجهتها إلى إيطاليا، تلك الدولة التي يعتز شعبها بطعامهم وأكلاتهم، ورغم سفرها فإن حبها لتراثها دفعها نحو صناعة الكعك والمعمول في أول عيد فطر يمر عليها وهي في بلاد الغربة، لتبقى على تواصل وارتباط بأجواء عائلتها وبلدها.

وقالت أبو حمدية: "بعد انتهاء الثانوية العامة، درستُ في القدس بعد التوجيهي لمدة عامين الغذاء وخدمات المطاعم، ولكن لم أجد ضالتي هناك، فقررت السفر إلى إيطاليا لأدرس البكالوريوس والدراسات العليا لأن التخصص الذي أردته لم يتوفر حينها في فلسطين، وأتلقى تدريبا في أفضل المطاعم هناك".

عندما قررت السفر واجهت الكثير من الانتقادات، خاصة أن الثقافة الفلسطينية التي تستهجن فكرة سفر الفتاة، قد تستوعبها لدراسة تخصص الطب، ولكن والدها كان مستوعبًا فكرتها لشغفها في المطبخ والطبخ منذ صغرها، مضيفة: "فقابلتُ استهزاء الناس من حولي بقولهم يعني آخرتك للمطبخ، وبعد الزواج راح تطبخي كتير، شو بياخدك على إيطاليا ونهايتك راح تعلقي الشهادة؟"، ولكنها ذهبت حيث يقودها قلبها نحو تطوير موهبتها.

وتتابع أبو حمدية حديثها بنبرة الواثق من نفسه: "سافرت ودرست علوم وثقافة الطعام، وماجستير تثقيف غذائي ونجحت، وتعلمت الطبخ، وعملتُ في إيطاليا وأصبحت أمتلك اللغة الإيطالية وعملت بها مترجمة قانونية".

وقد اختارت إيطاليا كونها وجهة رائعة للتعلم، وخصوصًا ما يتعلق بالطعام، كما أنهم يفخرون بأكلاتهم، وعلمتها كيفية حب الأطباق الفلسطينية والاعتزاز بها، إلى جانب أن نظام التعليم في جامعاتها يعتمد على الطالب ذاته في أن يقرأ ويفكر ويحلل، وفق حديثها.

وعدت أبو حمدية أن الدراسة مهمة في التطوير حتى لو كان الأمر يتعلق بالطبخ الذي يستهين به الكثير، ولكن مع التعلم استطاعت أن تمزج بين الثقافة الغذائية والعلم، وتمكنت من إيجاد أجوبة عن تساؤلات كانت لديها، كما أن الكثير يجهل قيمته، في حين يسرق الاحتلال الإسرائيلي كل شيء يتعلق بالتراث الفلسطيني كالأكلات الشعبية، فنشر الثقافة التي تتعلق بالأكلات الفلسطينية كان سيفها الذي تحارب به، كالمقاوم الذي يدافع عن أرضه.

طفولة في المطبخ

عندما وجهت "فلسطين" سؤالا لضيفتها لحديثها عن إبداعاتها في المطبخ بمرحلة الطفولة، قالت وهي تضحك: "كنت أشارك أمي في صناعتها الطعام، فهي معلمتي الأولى في مدرسة المطبخ، ولكن أحيانًا كنتُ أقتحمه لوحدي لأصنع وأجرب ما أريد، وكان منها ما ينجح وآخر يفشل الأمر الذي يزعج أمي ويغضبها".

لم تكن الرسوم المتحركة فقط ما تغري أبو حمدية لمشاهدة التلفاز، بل كانت تجلس بآذان صاغية، وعيون جاحظة أمام برامج الطبخ، وتستمع لنصائح الشيف المقدم للبرنامج، كما كانت تحب اقتناء كتب الطبخ، وكثيرًا ما كانت تشتريها.

كتاب إيطالي بنكهة فلسطينية

أكثر ما كان يعجبها أن القاسم المشترك بين الأكلات الفلسطينية والإيطالية أنها من دول حوض البحر الأبيض المتوسط، والكثير من أكلاتهم تعتمد على زيت الزيتون والخضار والحبوب، فيوجد الكثير من الوصفات المتشابهة.

وأنشَأت مدونة خاصة بها لتنشر عليها الأكلات الفلسطينية باللغة الإيطالية، ليس فقط طرق إعداده، بل من تتحدث أيضًا عن مناطق طبخه ومناسباته وقصة كل وجبة وتاريخها، فكتبت عن أكلات الأعياد والمواليد الجدد والأعراس والمناسبات المختلفة.

وفيما بعد أصبح لديها زاوية أسبوعية في إحدى الصحف الإيطالية بعنوان "الطعم والهوية" تتناول فيها تراث فلسطين وأكلاتها الشعبية وعاداتها، لتُعرف فداء على مستوى جيد بين الإيطاليين، فهيأ ذلك لها الطريق عندما قررت إصدار كتابها قبل ثلاث سنوات باللغة الإيطالية، الذي اسمته "مطبخ فلسطين الشعبي" (POP Palestine Cuisine)، ويتحدث عن الأكلات الفلسطينية.

واستكملت أبو حمدية: "لم يكن الهدف فقط الحديث عن الأكل، بل كان وسيلة من أجل الحديث عن فلسطين وشعبها فهو شعب يحب الحياة والثقافة، وليكون مرجعا، ويكمن سر نجاح الكتاب الذي بيعت نسخٌ كثيرة منه، أنه الكتاب الأول باللغة الإيطالية، يتناول الأكلات الفلسطينية، كما أني أصبحت معروفة بعض الشيء مع مشاركتي في المعارض، وحديثي عن التراث الفلسطيني في الأكلات".

وعندما وجهت "فلسطين" سؤالا حول أن هناك الكثير من الكتب الخاصة بالوصفات، فما هو الشيء المختلف في كتاب فداء؟ أجابت مبتسمة: "الكتاب لا يعتمد فقط على الوصفات، بل يتناول الحديث عن تاريخ فلسطين، ويصف المدن كالطريق من رام الله إلى بيت لحم، والقدس، واستعنت بوصفات من فلسطينيات كوصفة المقلوبة وغيرها".

حتى يومنا هذا تتنقل ضيفتنا بين فلسطين وإيطاليا، حيث كان آخرها في صيف عام 2018م، فقد جالت في مدن إيطالية عدة، وطبخت الكثير من الوصفات الفلسطينية في المطاعم والفنادق التي عاد ريع تلك الحفلات لروضة في قرية المعصرة الواقعة في بيت لحم.

واستكملت أبو حمدية بنبرة مستاءة: "للأسف بعض الفلسطينيين المهاجرين في بلاد الغرب يستغنون عن الأكلات الفلسطينية، فكيف ذلك وهو جزء من الهوية والتراث؟ ولكن من الجميل أن يحافظ الفلسطيني على أكلاته ويعلمها لأبنائه كاللغة التي يهتم بها الكثير".

وواجهت سرقات الاحتلال الإسرائيلية للأطباق الفلسطينية بالكتابة والطبخ للناس، ومن أبرز العقبات التي واجهتها صعوبة التأقلم واللغة، واختلاف الثقافات، وتطمح أن توصل الأكل الفلسطيني إلى كل دول العالم، لتحكي كل طبخة عن فلسطين وتراثها وعاداتها، وتكون ممثلة ونقطة تواصل بخصوص الأكل الفلسطيني.