فلسطين أون لاين

الصيد مهنةٌ يخشى الأبناء توارثها

...
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

حتى وقت غير بعيد، كان الصياد أحمد أبو ريالة يتقرب بشغف شديد للحظة التي يعتمد فيها ابنه الأصغر "ضياء" على نفسه في خوض غمار البحر واكتساب رزقه، ولكن اليوم بات الرجل الخمسيني يدفع ابنه نحو مهن أخرى غير صيد السمك، والسبب في ذلك (إسرائيل).

وضاعفت قوات الاحتلال طوال الأشهر الماضية من حجم اعتداءاته الهمجية بحق الصيادين العاملين قبالة شواطئ قطاع غزة ، مما يتسبب لهم بأضرار مادية في شباك ومعدات الصيد البحري أو خسائر في الأرواح البشرية نتيجة الاستهداف المباشر لهم بالرصاص الحي.

وكانت مهنة التقاط رزق البحر، من أكثر المهن التي يتوارثها سكان القطاع الساحلي جيلًا بعد آخر، قبل أن تصبح اليوم بمثابة مغامرة خطرة يجب أن يحسب لها ألف حساب، فـ(إسرائيل) تفرض حصارها المشدد برا وجوا وبحرًا أيضًا.

ولنحو ساعة كاملة جلس أبو ريالة (51 عاما) على رمال شاطئ ميناء غزة، ليلتقط صنوف السمك الصغير والكبير الذي علق بشباكه بعد رحلة صيد استمرت لقرابة سبع ساعات، دون أن يعاونه بذلك أحد.

صنوف العذاب

وبعد ما أنهى أبو ريالة فرز الأسماك داخل صناديق بلاستيكية حسب أنواعها وأحجامها لإرسالها إلى أسواق البيع المحلية، قال إنه ورث مهنة الصيد من أبيه وأعمامه مطلع التسعينيات ورغم ذلك لن يورث أسرار المهنة إلى أبنائه، خشية على حياتهم من صنوف العذاب التي تذوق مرارتها طوال السنوات الماضية وما زال.

ثم أضاف لصحيفة "فلسطين": "كنت أحلم باللحظة التي أشوف (أرى) فيها أحد أولادي الأربع يقود القارب وحده ويصيد جميع أصناف السمك، أما اليوم فأنا يلي (الذي) أحذرهم من دخول الميناء أو التفكير مجرد التفكير بممارسة الصيد، فالوضع لا يطاق والاحتلال ما ترك حد من شره".

ورغم التزام الصياد الخمسيني بالعمل داخل النطاق البحري، الذي يحدد الاحتلال الإسرائيلي منذ فرض حصاره قبل نحو عشر سنوات، بستة أميال بحري فقط، إلا أن الرجل يتعرض بين الحين والآخر لمضايقات إسرائيلية تدفعه للتفكير جليًا بترك البحر لولا أن "لقمة العيش مرة" وفق ما ذكر.

وأعلن الاحتلال مرارًا عن سماحه للصيادين الغزيين بالعمل حتى مسافة تسعة أميال بحرية ولكنه لم يلتزم بذلك، منتهكا بذلك اتفاق التهدئة الأخيرة، صيف عام 2014، الذي أكد على حرية عمل الصيادين وعدم التعرض لهم بأي شكل من الأشكال.

ندم وهجرة

ظروف الصياد سلمان البردويل لا تختلف كثيرًا عن تفاصيل عمل زميله أبو ريالة، فالاثنان يشتكيان من مطاردة زوارق البحرية الإسرائيلية لهم وإطلاق النار عليهم بشكل مباشر، إلا أن الأول يندم على الساعة التي اقنع فيها ابنه الأكبر "خليل" بمشاركته بمهنة الصيد.

ويقول البردويل: "كانت ظروف العمل قبل عام 2007 أفضل من الآن بكثير لذلك شجعت ابني على تعلم الصيد بعدما حصل على شهادة الثانوية، من أجل مساعدتي في توفير مصدر دخلٍ لأفراد عائلتي وتحسين أوضاعهم المعيشية"، مبينًا أنه يقلق على حياة ابنه أكثر من نفسه حال حدوث اعتداء إسرائيلي على الصيادين.

ويصف الصياد الأربعيني أوضاع الصيادين عمومًا بـ"القاسية", فالاحتلال يستهدفهم بأشكال مختلفة سواء بعرض البحر أو بمنع إدخال مستلزمات الصيانة من معبر كرم أبو سالم الخاضع لسيطرته، مشيرًا إلى أنه تعلم الصيد من أولاد عمه الذين هجروا البحر مؤخرا وباتوا يعملون في بيع الخضروات.

وتقلصت أعداد الصيادين تدريجيا منذ عام 2000 من نحو عشرة آلاف صياد إلى قرابة أربعة آلاف، يعيلون أكثر من 50 ألف نسمة ويعملون على نحو ألف قارب صيد مختلف الأحجام والأنواع.

وتهاجم قوات الاحتلال الصيادين الغزيين بشكل شبه يومي على طول ساحل القطاع عبر فتح نيران الرشاشات الثقيلة تجاههم, دون سابق إنذار أو اعتقالهم واحتجاز مراكبهم، فضلا عن تدمير معدات وشباك العمل.