التأم الاجتماع التحضيري للقمة العربية التنموية الاجتماعية والاقتصادية في دورتها الرابعة على مستوى الرؤساء ووزراء الخارجية، التي استضافتها بيروت يوم الأحد الفائت، في ظل تراجع مستوى تمثيل العدد الأكبر من الدول باستثناء قطر وموريتانيا، رغم زخم جدول أعمال المؤتمر الذي تمثل من 29 بندًا تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية، ومنها ما يتصل بمنطقة التجارة الحرة الكبرى، ومبادرة الأمن الغذائي العربي، وتحقيق التنمية الاقتصادية والطاقة المستدامة، إضافة إلى عدة مواضيع ذات بعد استراتيجي مثل استكمال متطلبات إقامة الاتحاد الجمركي العربي.
والغريب أن القمة حملت شعار "الإنسان العربي محور التنمية"، ما يعني تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في الوطن العربي، في حين أن العلاقات البينية العربية آخذة في التمزق بفعل تعميق الخلافات بين الأسرة العربية في غالبية الملفات الساخنة داخل المنطقة؛ بل إن بعضها يصل إلى حد التآمر كما هو الحال في ملف أزمة الخليج وتداعياتها التي دخلت عامها الأول، التي غُيبت عن قصد وسوء نوايا عن جدول أعمال القمة، وتجاهلا متعمدا لأهم الملفات العربية التي ألقت تداعياتها بظلالها السلبية على تفاعلات كل المنطقة ووضعتها أمام حالة من التشظي ومفترق طرق خطير، وهي 6 ملفات شائكة تتمثل في الأوضاع في سوريا، واليمن، والقضية الفلسطينية، وليبيا، ومحاربة الإرهاب، والتدخلات الخارجية؛ ومعظمها تثبت الفشل العربي في التعامل معها خلال السنوات الماضية وحلها داخل الأسرة العربية، وأمام كل ذلك يبدو شعار القمة وهو تحقيق التنمية المستدامة في الوطن العربي مثيرًا للسخرية في الأوساط الدبلوماسية بل وفي الشارع العربي، إذ كيف نطور ما هو ممزق في حين أن المسؤولية القومية كانت تحتم البدء بترميم شروخ البيت العربي سعيًا للم الشمل أولًا وحسم الخلافات الجوهرية، وصولًا إلى تطوير عملنا العربي المشترك وهو شعار أجوف أخرق طالما رفعناه على مدى أكثر من سبعين عامًا وفشلنا في تحقيقه؟
من المعروف أن الاقتصاد هو عماد أي تقدم، ومن دونه تظل الدول أو الجهات المعنية تحت رحمة وسيطرة الأقوياء، ومن أهم دعائم الاقتصاد هو وجود الموارد الكافية من جهة وتأهيل المجتمع للتطور والنمو، من جهة أخرى. لا شك أن القمة الاقتصادية من ناحية مبدئية هي الأساس وهي حجر الزاوية في التطوير والتقدم إذا خلصت النوايا وتغيرت العقلية الفردية وانتصرت الإرادة القومية، كما نأمل، والحمد لله عالمنا العربي يملك إمكانات اقتصادية هائلة وله موقع إستراتيجي في غاية الأهمية وهو حلقة الوصل بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، كما لدينا مئات الملايين من السكان وكفاءات علمية متفوقة ودرجة متقدمة من التعليم.
الحقيقة أن هذه القمة كسابقاتها من القمم التي تأتي وعالمنا العربي يتمزق في كثير من دوله بالحروب الداخلية دون أي مبرر، ونرى مئات آلاف اللاجئين الذين تغمرهم المياه أو تبتلعهم البحار وهم في طريقهم للهجرة إلى أوروبا، ونرى دولة مثل ليبيا التي يبلغ دخلها من النفط، أو كان يبلغ، مليارات الدولارات سنويا تتدمر وهي التي كان بإمكان سكانها القليلين أن يكونوا أثرياء وأن تكون بلادهم جنة ورخاء، وكذلك اليمن الذي كان سعيدا والعراق وغيرها.
إن عوامل فشل القمم العربية عديدة والهوة تتفاقم قمة بعد أخرى بين الدول العربية حتى بات انعقادها يعني المزيد من التفرقة والانقسام وتتمثل تلك العوامل بالأساس في أزمة الثقة وغياب النضج السياسي وفي إيجاد تسوية للخلافات والبحث عن رفع الأسهم السياسية وتلميع الصورة لدى الدول الغربية، وهو ما لا يعكس آمال الشعوب وتطلعاتها فالقواسم المشتركة بين الدول العربية تجعل من الوفاق العربي ضرورة حتمية تتطلبها المرحلة في ظل التكتلات المتسارعة التي يشهدها العالم.
بما يخص القضية الفلسطينية ونرى الرئيس الأميركي ترامب يضغط علينا بدرجة كبيرة لابتزازنا سياسيا واقتصاديا، وهو يوقف المساعدات المالية القليلة نسبيا ولكنها مهمة نظرًا لظروف اللاجئين الفلسطينيين، وقراره المشؤوم في ديسمبر الماضي، اعترافه بالقدس عاصمة الاحتلال ونقل سفارة بلاده من (تل أبيب) إليها، بجانب التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في ذكرى "يوم الأرض" 30 مارس الماضي، وما تلاها من مواجهات، القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث من جديد. كما أن القمة لم تعد تتذكر المبادرة العربية التي أطلقتها عام ٢٠٠٢ من بيروت، واللافت أن الترويج لصفقة القرن وتمريرها يأتي على حساب وخصم من مبادئ مبادرة السلام العربية أطلقتها السعودية في قمة بيروت 2002، والتي تنص على إقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وانسحاب (إسرائيل) من هضبة الجولان السورية المحتلة، والأراضي التي لا تزال محتلة جنوبي لبنان، مقابل اعتراف عربي بـ(إسرائيل) وتطبيع العلاقات معها.
إجمالا القمة الرابعة كمثيلاتها السابقة لم تولِ اهتماما كبيرا كما كان معهودا في السابق لفلسطين والأزمات الفلسطينية, سوى بند خاص بدعم الاقتصاد الفلسطيني يتضمن الخطة الإستراتيجية للتنمية القطاعية في القدس (2018-2022)، وإنجازات صندوقي القدس والأقصى، والسؤال أين هذا الدعم الذي يذكره العرب في كل مناسبة ولم يجد تنفيذا؟!
الحقيقة أن فلسطين لم تعد أمام المصالح الإقليمية والدولية وتشابكاتها هي قضية العرب الأولى، فالتطبيع مع إسرائيل على قدم وساق، وما زال هناك مزيد من الدول تفتح سفاراتها في القدس، وما زال العرب لا يلعبون دورا حاسما في إنهاء الانقسام الفلسطيني والقضاء على البطالة والفقر في فلسطين وفي غزة بالتحديد.
من المعروف والمتفق عليه أن الاقتصاد هو عماد أي تقدم وتقدم وبدونه تظل الدول أو الجهات المعنية تحت رحمة وسيطرة الأقوياء، ومن أهم دعائم الاقتصاد هو وجود الموارد الكافية من جهة وتأهيل المجتمع للتطور والنمو، من جهة أخرى، لذا أعتقد أن الأمن القومي العربي لن يتحقق في ظل استيلاء (إسرائيل) على كل الأقدار على فلسطين المحتلة، الأمن القومي العربي يحتم على العرب أن يقفوا مع النضال الفلسطيني، فلقد طرحوا المبادرة العربية وفشلت في إقناع الإسرائيليين بها، إذًا فليذهب العرب لطرح الدولة الواحدة وبانتهاء مقولة الأرض مقابل السلام ولا أعتقد أن الشعار القائل الغذاء مقابل السلام سيصنع استقرارا اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا يسمح بطرح خطط تنموية مستقرة ما دامت القضية الفلسطينية معلقة.