الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد عرفنا في المقال السابق الصبر لغة واصطلاحا وبينا حقيقته ، وسنتحدث في هذا المقال عن أهميته الصبر وفوائده في الإسلام:
للصبر في الدعوة الإسلامية أهمية عظيمة وفوائد كثيرة، منها:
أن الله سبحانه وتعالى بيَّن للناس أنه لا بد من الابتلاء ليظهر المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب، والصابر من غيره. يقول سبحانه وتعالى: :"أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" .
والابتلاء سنة الله تعالى في عباده حيث قال سبحانه: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ".
والابتلاء للدعاة أمر لا بد منه فلو سلم منه أحد لسلم رسل الله صلوات الله عليهم وعلى رأسهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- الذي أوذي في الله كثيراً حيث قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ".
وأكد النبي صلى الله عليه وسلم على أن أشد الناس بلاء الأنبياء: قَالَ سعد بن أبي وقاص: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: "الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ".
والابتلاء خير للمؤمن ودليل على محبة الله له بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ" وقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ".
وقال الحسن البصري: "الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده"
وقد عظم الله تعالى أجر وثواب الصابرين حيث قال سبحانه:" إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ".
والصبر سبب في العزة والكرامة وانتقال الإنسان من حالة الضعف إلى حالة القيادة والرئاسة: قال الله تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ" .
وبالصبر والتقوى نُفْشل كيد الأعداء: قال الله تعالى: "إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ".
ولذلك ينبغي علينا أن نرضى بقدر الله تعالى وقضائه ما دمنا مؤمنين، نسير على طريق الهدى والرشاد وذلك من خلال الصبر والصمود والتحمل لأن النصر صبر ساعة، وقد أكد الله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع في كتابه العزيز أنه مع الصابرين ولن يتخل عنهم فمن ذلك قوله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".
للموضوع تتمة . والحمد لله رب العالمين