فلسطين أون لاين

"ملكة" الوجهة الأولى لأحمد الناجي بعد بتر قدمه

...
صورة أرشيفية
غزة- خضر عبد العال

بينما يجلس الشاب الجريح أحمد الناجي على أحد أسرة مجمع الشفاء الطبي في غزة، ومن حوله أصدقاؤه وأقرباؤه مشكلين حلقة نصف دائرية، ولم يكن مضى على خروجه من غرفة العمليات سوى 30 يومًا، بعدما أجريت له عملية بتر لقدمه اليمنى، طلب منهم أمرًا مذهلًا.

تفاجأ الوالد بابنه الذي طلب من أصدقائه أخذه إلى مكان يرى أنه الأمثل "للرباط" في هذا الوقت، الذي يواجه فيه الفلسطينيون في غزة أنواعًا شتى من الانتهاكات على يد الاحتلال.

يصر الشاب على طلبه الذهاب إلى وجهته الأولى مخيم العودة في منطقة ملكة، شرقي مدينة غزة.

يقول الناجي في حديث إلى صحيفة "فلسطين": "حين شاركت في المسيرات كان أمامي هدف واضح، هو إغاظة العدو في كل المَواطن التي تغيظه، حتى بعد بتر قدمي ما زلت مصرًّا على هذا الهدف، ما دام لدي القدرة على المشاركة".

ويشارك الناجي إلى جانب حشود الفلسطينيين بمختلف محافظات قطاع غزة في مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية، المستمرة منذ 30 آذار (مارس) الماضي حتى الآن، مطالبين بحقوقهم في العودة إلى أراضيهم المحتلة 1948م، ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 12 سنة.

وتنحدر عائلة الناجي من مدينة اللد المحتلة، ويطالب أفرادها بحقهم في العودة إليها.

"رؤيا البتر"

ويروي الناجي لصحيفة "فلسطين" لحظة إصابته: "كنت أساعد الشباب في مشاركتنا السلمية في جمعة الشباب الثائرين، التي وافقت 27 نيسان (أبريل) الماضي، على تنظيم إدخال إطارات السيارات (الكاوتشوك) إلى الصفوف الأمامية، من أجل إشعاله، وتصاعد سحب الدخان الأسود، لتعمية عيون قناصة الاحتلال المنتشرين بمحاذاة مخيم العودة في منطقة ملكة عن المتظاهرين السلميين هناك".

وحين التفت إلى أحد أصدقائه باغتته رصاصة متفجرة في وسط قدمه اليمنى من قناصة الاحتلال، أدت إلى قطع الشريان الطرفي، وتهتك في عضلات القدم، ومكث على إثرها في غرفة العناية المكثفة بمجمع الشفاء الطبي ستة أيام فاقدًا الوعي.

يرجع الناجي في ذاكرته إلى أيام الإصابة قائلًا: "بعدما استرجعت الوعي رأيت في المنام أن قدمي قد بترت، ولم يكن الأطباء قد أبلغوني أن قدمي بحاجة لعملية بتر".

استيقظ من نومه وقد تصبب جبينه الأبيض عرقًا، ليرى والده عن يمينه يسأله: "أنت بخير، يا أحمد؟"، يرد أحمد: "بخير، الحمد لله".

وبعد مرور ساعة لم يحتمل الشاب كتمان ما رآه في منامه، فقال لأبيه وقد ملأ قلبه الرضا: "يا أبي، بلّغ الأطباء أني جاهز لعملية البتر"، مع العلم أنه الأطباء لم يكونوا قد أبلغوا الوالد أن القدم بحاجة إلى عملية بتر.

تفاجأ الوالد بكلام ابنه، ورد مستهجنًا: "وحد الله يا ابني، إنت شو بتقول؟!"، ثم روى لأبيه ما رآه في منامه.

"كنت أتحدث إلى الوالد وقلبي كله رضا، وقد أسلمت أمري إلى الله" يتابع حديثه.

وحين زاره بعض أصدقائه أخبرهم الأطباء أن قدمه بحاجة لعملية بتر، وقد أبلغوه بذلك ليرد عليهم: "الحمد لله على قضائه وقدره"، وكان صابرًا.

يضيف أحمد: "بفضل الله منذ اللحظة الأولى للإصابة حتى الآن أُصبّر أصحاب إصابات البتر مثلي، وأُصبر الناس من حولي".

وأكثر ما أزعج أحمد بعد بتر قدمه عدم رضا بعضٍ عما حدث له، لكنه كان يواجههم ويقول لهم: "يجب أن نحتسب أمرنا عند الله (تعالى)، وهذا في سبيله".

وأحمد (28 عامًا) الذي تخرج في تخصص "الشريعة والقانون" هو باحث قانوني، ومتطوع لإمامة مسجد والخطبة فيه.

ولم تؤثر حالة البتر بعد إصابته في ممارسته أعماله الوظيفية أو التطوعية.

يقول الناجي: "بإذن الله لم تؤثر ولن تؤثر هذه الإصابة في عملي في البحث القانوني لدى المحكمة الشرعية، ولا عملي في الخطابة والإمامة في المساجد".

حتى إنه عقد قرانه على شريكة حياته في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وسيعقد حفل زفافه نهاية العام الجاري.

ويشير إلى أنه في اليوم الذي يجد أنه قادر على المشاركة في المسيرة لا يتردد في ذلك.

ويتابع: "لقد زادتني الإصابة عزيمة وقوة في مواجهة العدو الصهيوني، وبت أشعر بالانتصار بعدما تحقق جزء من مطالب شعبنا".

ويوجه رسالة إلى الاحتلال بالقول: "نمتلك عزيمة تهدم الجبال، وهذا البتر لن يؤثر فيّ، بل هي مرحلة مؤقتة وسأركب طرفًا صناعيًّا، وسأرجع أشارك في المسيرة بهمة أكبر مما سبق".