لن يقاتل بالنيابة عن الشعب الفلسطيني أحد، وإن كان من أمل وهو موجود وإن طال فلن يأتي إلا بعد أن يثبت الفلسطيني أنه مستعد لبذل الجهد والتضحية من أجل استعادة وطنه .
إن العالم لا يحترم الضعيف، وإن تضامن معه وكتب بحقه شعراً ونثراً، فإن لم تكن قوياً مؤثراً فمن يأبه بك؟
هذه معادلة ثابتة بالعقل البشري وتجربة التاريخ عموماً ومع الثورات خصوصاً .
عندما دفع الجيش الأحمر بقوات كبيرة في السبعينيات من القرن الماضي إلى الستار الحديدي في أوروبا الشرقية مقابل جيوش أوروبا الغربية عقد الناتو اجتماعاً وطالب أمريكا بنشر صواريخ نووية متوسطة المدى لحجم التفوق الهائل لصالح عتاد وعدد الجيش الأحمر، فرد كيسنجر: "ابنوا جيوشكم بما يُمكّنها من التصدي للجيش الأحمر ونحن بدورنا سننشر صواريخ نووية متوسطة المدى، لكن اعلموا أن أمة لن تُعرض أمنها للخطر من أجل أمم أخرى مهما كانت الصلة وطيدة والعلاقة متينة ".
إن الشعوب التي وقعت تحت الاحتلال ودُعمت من حلفاء شكلت بتأثيرها مصلحة للتحالف الذي دعمها، وحققت مصالحه ولم تكن بالمطلق عالةً عليه، لكن بعد أن كانت أبلت بلاءً حسناً في الميدان وأدت دوراً رائداً في المقاومة أُبِه بها وشدت الانتباه وأصبحت قيمة يُخطَب ودها ويُرجى دعمها.
إن التحالف وهو يواجه المحور في الحربين الأولى والثانية على أهمية إستراتيجية الاستنزاف والسعي للتفوق من أجل كسر شوكة الألمان إلا أن حرب العصابات والأنصار في الداخل في المدن والأدغال شكلت روافد إستراتيجية مهمة من خلال تكتيكات قتالية متنوعة راعت قوة الثورة واكتمالها، والبيئة ونشوءها، والتضاريس وأحوالها، فزعزعت الأمن والاستقرار، وأثرت في الإمداد في التصنيع والشحن والإرسال.
وسجل التاريخ دورها وخلد مآثرها وبصمتها في دحر المحور وتحقيق الانتصار.
إن احتلالا دون قتال وثورة دون ثوار وحقوقا تعود بالمفاوضات والمساومات والسيجار بدعة كلفت الشعب الفلسطيني أهوالاً، وستعرض آماله وقدرته على استعادة حقوقه للزوال لا قدر الله.
إن القتال تحت الاحتلال يبدأ من ذروة قوة المحتل وذروة ضعف الشعب الذي وقع تحت الاحتلال.
ومن الطبيعي أن يستمر الكفاح من خلال الموقف الرافض للاحتلال ثم تجنيد كل الطاقات الاجتماعية والسياسية الخارجية والداخلية والدبلوماسية والقانونية والإنسانية والعسكرية من خلال البحث عن مصادر القوة باستمرار والأمنية من أجل حماية الثورة والشعب والتصدي لألاعيب ومكر الاحتلال، فهو مسار مستمر من خلال الرؤية والموقف والصبر حتى إنضاج الظروف الذاتية والموضوعية وإن طال الزمن لتحقيق النصر والخلاص .
وإن هذا الخيار المقاوم في مساره محكوم بالقدرة على وضوح الرؤية والموقف من خلال إستراتيجية واضحة وتكتيكات خادمة لربما ينتكس، وبُعد خارجي أو داخلي يصبح عامل تآكل وإعاقة يحتاج لمهارة وإدارة محكمة تُخضع القراءة لمنطق الأهداف والرسالة على المدى البعيد وليس للتحديات اللحظية.
على ذلك سارت الشعوب واستمرت الثورات .
إن الاتصالات والمفاوضات إلى جانب المقاومة من أجل اقتطاف ثمارها وتحصيل إنجازاتها أداة مشروعة على أن تكون محمية بقوة تأثير البنادق والمدافع، وأن لا تأتي المفاوضات مساراً كمخرج للحصار وتتويج للهزيمة.
إن المفاوضات غلبة ظن أنها وسيلة ممكنة لقطف ثمار المقاومة وتحصيل إنجازاتها، ولن تكون بديلاً عن الثورة والمقاومة، فإما أن تقطف وتُحصّل، أو تتوقف ليعلو صوت المدافع وتتكثف الجهود للضغط لإجبار الأعداء على النزول لمواقف المقاومة والإقرار بحقوق شعبها، ومن المحظور وطنياً أن تفضي المفاوضات للانتظار، فمفاوضات أوسلو التي استمرت ربع قرن من الزمان لم تُعد للفلسطينيين حقوقاً ولم تحمِ أرضاً، ولم تصن قدساً، ولم تعد لاجئاً، ولم تمنع إراقة الدماء، ولم توقف الاعتقال ولم تحرر الأسرى.
بينما يستمر الاستيطان والتهويد والهدم والاعتقال يستمر التنسيق وتُمنع المقاومة من التحضير والاستعداد والقيام بدورها في التصدي.
وبذلك تحولت المفاوضات لاستنزاف الشعب الفلسطيني والطلب منه انتظار أوهام، متجاهلة كل العوامل والمعطيات التي تحول دون ذلك، فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة .
فيا أيها الفلسطينيون تحزموا بروح المقاومة ومن مواقعكم هبوا وقاوموا وانطلقوا، فأنتم في نفير مفتوح، اضربوا بقوة ولا تترددوا، لا تأبهوا بالمفاوضات، استنزفوا العدو وأزعجوه ولا تتركوه يسترح، واعلموا يقيناً أنه لا يحدث في ملك الله إلا ما أراد الله.
وعد من الله معقود "لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".
"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".