فلسطين أون لاين

دمى تُحرك ومخططات جهنمية تُدبر

التزاحم في المنطقة يختلف عما مضى، وطبيعة التطبيع والمعاهدات المعقودة تحالفية اختلفت عما سبق بالاسم والمعنى الإبراهيمي؛ حيث حرصت على تحقيق الأهداف السياسية على مستوى عالٍ من خلال المقايضة بالتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني مقابل التحالف مع العدو الصهيوني في مواجهة إيران، وزجت بالدين من خلال اسم الاتفاق وبنوده وتفعيل المنصات الدعائية على مستوى فردي مشايخ، ومستوى مؤسسات مواقع وفضائيات وصحف ومجلات، في محاولة لإغراق الفضاء بقيم التسامح بين الأديان بشكل تجريدي يعزل النص عن الأتباع وسلوكهم في مواجهة الأعداء، فالعدو لم يعد احتلالًا نظرًا لأنه صاحب الديانة اليهودية التي يجب أن تتسامح معها ومع المؤمنين بها انطلاقًا من اللحظة الراهنة متجاوزًا كل ما جرى على مدار العقود السبعة الماضية، فلا عين ترى مدنا وبلدات وقرى وأوطان مهدمة ولا أذن تسمع أنينًا ومشتكى، ولا ذاكرة تستحضر تفاصيل ما جرى لشعب قُتِّل وهُجر وقام على أنقاضه كيان محتل أصبح ديانة يهودية يُتسامح معها وتُحترم.

ترامب دعا كل المؤمنين للصلاة في الأقصى، وانقسم الفلسطينيون قبل أشهر بين تشجيع الزيارة وعدمها، من رفض من الفلسطينيين رفض بدعوى عدم الإقرار بالاحتلال عبر المرور بوثائق صدرت من العدو عن جسور ومطارات يسيطر ويهيمن عليها.

ومن وافق قصد ربط العرب والمسلمين بالقدس والأقصى من خلال التزاور والصلوات فيها.

فالفعل واحد والنوايا مختلفة، الأمر الذي يجعلنا أكثر حذرًا في تحليل التحولات والتغييرات في طبيعة المعاهدات والاتفاقيات.

الاتفاق أبراهام ركز على شبكة العلاقات ما دون الدولة من خلال الاتفاقيات المتفرعة في مجالات الإعلام والهايتك والاتصالات وتبادل المعلومات والفنون والثقافة، مع حشد قيم الدين التي تدعو للتسامح بين الأديان من خلال استحضار نماذج مقابِلة زعزعت الوجدان الإنساني من بشاعتها لداعش وغيرها بقصد التسلل بين الحدود الفاصلة لفئات المجتمع وطبقاته المختلفة.

الحركات الإسلامية وُضعت في دائرة واحدة حتى يسهل تمرير المخطط من خلال عزل الشباب عن الخطاب الديني الحركي الذي يربط بين رسالة السماء وتكليف التسخير بإعمار الأرض وإنشاء الجيل على قيم الشجاعة في مواجهة الأعداء، والحق بالانتصار للمظلوم، والتضحية دفاعًا عن الأوطان والرحمة والتسامح بطريقة مختلفة بتمييع ثقافة الجيل وأدوات التمييز والقياس لديه، والاستحواذ لمن يملك مالًا.

هذا المخطط يستهدف بالأساس نزع القيم الوطنية من جيل الشباب، وفي أحسن الأحوال عزله عن دائرة الفعل، أو تحييده من خلال الانكفاء والجري خلف رغيف الخبز دون الالتفات لما يجري على مستوى الهوية والانتماء للوطن وقيمه الوطنية.

ربما يضع الخطاب الإسلامي على سلم الأولويات، ولكن لا يستثني كل طاقات الأمة الرافضة لما يجري والإذعان لما يُرسَم ويخطط له في قادم الأيام.

جعل دولة الاحتلال صديق بينما تقتل وتفتك وتهود وتهجر وتحاصر، محاولة يائسة لن تتم وإن وقع البعض وطبع.

تشويه التاريخ والعبث بالمشاعر من خلال تزوير تاريخ الفلسطينيين الذين سالت دماؤهم شلالات لمنع قيام دولة الاحتلال من النيل إلى الفرات، واتهامهم ببيع الأوطان، مواقف معيبة سُرقت من أفواه الجوعى للكرامة والشرف.

ما يجري غدر وخيانة للسلطة التي وُعدت من حكام هذه الدويلات بمواقف داعمة سياسية واقتصادية، تآمرت وانقلبت وستتآمر وتنقلب كما خانت دول المنطقة وستخون مصر كدولة وأمة.

ما يجري يفوق قدرة العقول على الاستيعاب حفاة عراة وإن شعروا أنهم مُلكوا مالًا وسلطانًا أصلًا هو ملك وسلطان ورثوه، لكنهم غمسوه بذل وخنوع.

يسارعون إلى تنكيس كل راية وخنق كل فكرة وإسقاط كل دولة وحل كل حركة وحزب ينافح عن أمن واستقلال المنطقة، يعبثون في كل مكان ، من تونس مروا والشواهد شاخصة.. وفي السودان حلوا غربانًا، وفي الجزائر فشلوا لكنهم حاولوا.

في تركيا...

في سوريا...

وفي كل مكان

دمى تُحرك ومخططات جهنمية تُدبر ليست قدرًا مقدورًا علينا، أو مصيرًا مكتوبًا لنا.. لكنهم سيستمرون في محاولاتهم، لن تفشل لأن عناصر فشلها موجود فيها كما قيل في مواجهة مؤامرات سبقت ومخططات حيكت في الماضي.

يجب أن نواجه الخطط بالخطط، وإرادة الشر بإرادة الحق دون إحساس الأمة بكل قطاعاتها بالخطر، واستحضارها مآلات ما يمكن أن تسفر عليه هذه المخططات لن نتمكن من مواجهتها.

لا بد من التحرك المنظم الذي يبدأ بتوعية الشعوب واستجماع قوتها في مواجهة هذه المؤامرات التي لا تواجَه بالترقيع إنما بالرؤى والاستراتيجيات المقابلة، وثبت في الماضي القريب والبعيد أن الأمة في مواجهة التحديات الوافدة لديها قدرة كامنة تستنفرها بقوة صاعقة.

فلا خوف إن عزمنا خاصة إذا عرفنا القصد ووضح السبيل.