فلسطين أون لاين

​البركة.. تورث صفاء النفس وطمأنينة القلب

...
غزة - هدى الدلو

يقول ابن الجوزي: "كُنْ مخلصًا في أقوالك وأعمالك ترَ البركة في عمرك والتيسير والتوفيق والإعانة من الله، وإنما يتعثر من لم يخلص"، مما يدلل على أهمية البركة في حياة المسلم وهو ما يتطلب منه الحرص على نيل رضا الله؛ وكسب الحسنات من خلال الأعمال الصالحة، والجهد من أجل تحصيل البركة في أعمالنا وأوقاتنا، وفي هذا الوقت نجد الكثيرين يشتكون من قلة البركة وخاصة في المال فيعتقدون أن البركة فقط ترزق في المال، إلى جانب عجز البعض عن قيام ببعض الأعمال لعدم وجود وقت يمكنهم من القيام به لعدم بركة الوقت؛ فما قيمة كسبٍ لا بركة فيه؟ وما قيمة وقتٍ محقت بركته؟، هذا هو محور حديثنا في السياق التالي:

يقول الداعية عمر نوفل: "البركة هي الزيادة في الخير والأجر، وقد يتحصل ذلك في دينه ودنياه، والذي يجلب البركة هو الله سبحانه وتعالى، ويترتب ذلك على مدى قناعة الإنسان الداخلية لما أعطاه الله إياه، كما أنها لا تقف عند حد معين".

وأوضح أن البركة لا تقتصر على كثرة المال والجاه والولد، أو حتى العلم المادي فقط، وإنما هي قيمة معنوية تكمن في الشعور الإيجابي للإنسان وما ينتج عنه من صفاء للنفس وطمأنينة للقلب، وقناعة ورضا.

وأشار نوفل إلى أن ضوابط البركة كلها من الله، لأنها كالرزق من عنده أيضًا لقوله تعالى: "قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ"، وعن عبد الله بن مسعود قال: "كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفاً، وكنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقلَّ الماء فقال: اطلبوا فضلة من ماء، فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال: "حَيَّ على الطهور المبارك والبركة من الله"، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وهذا يعني أن طلب البركة من الله لا من غيره.

وبين أن من الأمور التي تجلب البركة والتي يمكن طلبها بأمور عبادية، كتقوى الله ومخافته، واستشعار مراقبته في السر والعلن، وهو سبب رئيسي في تحصيل البركة، لقوله سبحانه وتعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"، وقوله أيضًا: " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا"، أي يسهل أمره في الدنيا والآخرة.

ونوه نوفل إلى أن السلف الصالح كان لهم نصيب من البركة، فكانوا يتقون الله في جميع أمورهم وشئونهم، فقال ابن القيم: "وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إليَّ وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغد سقطت قوتي".

وأضاف: "كما أن كثرة الاستغفار تجلب البركة، لقوله تعالى: " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً"، بالإضافة إلى البر وصلة الرحم وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصِلْ رحمه".

ولفت نوفل إلى أنه وفق تفسير العلماء فمنهم من اعتبر أن البركة تعني الزيادة الحقيقية، وآخرون اعتبروها غير حقيقية من خلال البركة في العمر، والتوفيق في الطاعات، والبركة في الصحة والراحة.

وتابع حديثه: "فتحصيل البركة من خلال الإيمان بقدر الله، وذلك بحاجة إلى مقومات وهي السلوك الإسلامي الصحيح والفهم له يؤدي إلى الطمأنينة والراحة، فالنعم التي أنعمها الله على عباده كثيرة لقوله: " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا" ولكن هناك مستشعر للنعم والبعض لا يستشعرها بسبب عدم وجود البركة في حياته".

وختم بقوله: "البركة تؤدي بالمسلم إلى شعور بالراحة داخل نفسه، ولذة بما رزقه الله حتى لو كان قليلًا، وطمأنينة في النفس، ويكون مؤمنًا بما جاء في حديث رسول الله بقوله: "أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ"".