في شهر ربيع الآخر من عامِ مائتين وثمانيةَ عشر للهجرةِ المشرفة توفي أبو محمدٍ عبدُ الملك بنُ هشام المَعافري المعروفُ بابن هشام وهو مَن جمعَ سيرةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب “المغازي والسّير” لابن إسحاق وهذّبها ولخّصها وشرحها أبو القاسم السُّهيليّ في كتاب الروض الأنِف وهي الموجودة بأيدي الناس المعروفة بسيرة ابنِ هشام وقد دفن بمصر.
وكان ابن هشام نحويا أديبا إخباريا فاضلا، وكان علامة أهل مصر بالعربية والشعر رحمه الله.
أشهر كتبه: "السيرة النبوية - ط"، المعروف "بسيرة ابن هشام"، رواه عن ابن إسحاق، وله "القصائد الحِميَرِية - ط" في أخبار اليمن وملوكها في الجاهلية، و"التيجان في ملوك حِمير - ط"، رواه عن أسَد بن موسى، عن ابن سنان، عن وَهبِ بن منبه، و"شرح ما وقع في أشعار السير من الغريب"، وغير ذلك.
وأصل السيرة المعروفة بسيرة ابن هشام فهي فهي التي جمعها أبو عبدالله محمد بن إسحاق بن يسار المدني القرشي (152هـ)، وقد رواها ابن هشام عن أبي محمد زياد بن عبدالله البكاني العامري الكوفي (183هـ)، عن ابن إسحاق.
وقد تناول ابن هشام هذه الرواية التي وقعت له من سيرة ابن إسحاق بكثير من التحرير والاختصار والإضافة، والنقد أحيانًا، والمعارضة بروايات أُخَرَ لغيره من العلماء.
ثم تداول الناس قديمًا وحديثًا سيرة ابن هشام، حتى كادوا ينسون واضعها الأول.
وتعتبر هذه السيرة هي أقدم سيرة تكاد تكون محفوظة بكليتها.
والكتاب يتألف من قسمين:
القسم الأول: المبتدأ، أو تاريخ الفترة بين التكوين ومبعث الرسول، وقد حاول ابن هشام في تهذيبه أن يحذف الأقسام الضعيفة، خاصة في المبتدأ، وأن يطرح الشعر الموضوع.
والقسم الثاني: مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم.
ونجد أن ابن إسحاق جمع بين أساليب المحدِّثين والقصَّاص في كتاباته؛ فجمع بين الأحاديث والروايات التاريخية والإسرائيليات والقصص الشعبي مع كثير من الشعر الصحيح والموضوع؛ ففي المبتدأ روى عن أهل الكتاب وعن الداخلين حديثًا في الإسلام، وأخذ كثيرًا عن وهب بن منبه.
أما رواياته عن حقبة الرسالة فترجع في جوهرها إلى أساتذته في المدينة، ولكننا نجد أن معلوماته عن الفترة المكية وردت في الغالب دون إسناد، ويرد الشعر خلال أخباره عن الحادث بشكل مجموع، وهذا الشعر بنوعيه الموضوع والصحيح يُلقي ضوءًا على التيارات السياسية المعاصرة؛ كالمنافسة بين الأنصار وقُريش.
أما القصص والأخبار التي رواها ابن إسحاق وعنه ابن هشام فهي خاضعة لقواعد الحديث، تعرض عليها للتصحيح والتضعيف، وهكذا الحال مع كتب السنة كلها، فليس ببعيد أن نجد فيها أخبارا واهية ، بل إن فيها فعلا أخبارا واهية.