فلسطين أون لاين

​الدراسة والعلاقات الاجتماعية.. من يتغلب على من؟

...
الأمر يتعلق بما تغرسه الأسرة في نفوس أطفالها
غزة/ صفاء عاشور:

كثيرة هي الحالات التي نجد فيها الشاب أو الفتاة يفضلون قضاء ساعات طويلة في الدراسة على ممارسة بعض الأنشطة الاجتماعية، أو زيارة عدد من الأقارب والمعارف، أو الخروج من البيت للتنزه مع الأصدقاء أو العائلة.

فسهيلة حمد أم لستة أبناء، إحدى بناتها لا تكاد تخرج من غرفتها، مخصصة أكثر من ثلثي وقتها للدراسة، حيث أوضحت أن ابنتها التي في المرحلة الثانوية تفضل البقاء في غرفتها تدرس على القيام بأي نشاط آخر في المنزل أو خارجه.

وقالت في حديث لـ"فلسطين": إن "ابنتي منذ عودتها من المدرسة ترتاح قليلًا، وتتناول الطعام، ثم تتجه مباشرة إلى حل واجباتها، ومن ثم التحضير لما عليها من دروس، ومن ثم مراجعة ما درسته"، مشيرة إلى أن ابنتها تخصص الكثير من الوقت للدراسة.

وأضافت حمد: "قد يجد بعض أن هذا الأمر شيء إيجابي، إلا أن زيادته عن حده جعل ابنتي منطوية لا تعرف كيف تتعامل مع المحيطين بها، فكل ما يشغل بالها هو دراستها والمواد العلمية التي تحب أن تقرأها وتدرسها دون كلل أو ملل".

وبينت أنها كانت تحب هذا الأمر في ابنتها عندما كانت صغيرة، حيث كانت تراه اهتمامًا بالعلم والتفوق فيه، إلا أن الأمر أصبح مزعجًا مع كبرها وعدم اختلاطها مع أي أحد خارج نطاق العائلة التي تعيش فيها.

اختصاصي الصحة النفسية إسماعيل أبو ركاب أوضح أن الفتيات والذكور يهتمون بحياتهم الدراسية ويركزون عليها كثيرًا قبل مرحلة المراهقة، إلا أن هذا التركيز يقل بتفاوت بين الفتيات والذكور.

وقال في حديث لـ"فلسطين": إن "التركيز على الدراسة عند الجنسين شيء يرجع لتنشئة الوالدين الاجتماعية ومدى الاهتمام الذي كان يوليه الطفل للدراسة منذ الصغر، وأن هذا الأسلوب أو الاهتمام سيبقى مرتبطًا بهم في بقية مراحل الحياة سواء في مرحلة المراهقة أو الجامعة".

وأضاف أبو ركاب: إن "الوقت الأكثر خطورة على حياة الجنسين هو عمر السبع والثماني سنوات الأولى في حياتهم، والتي يغرس الوالدان فيها أهمية التعليم في حياة الطفل وضرورة أن يخصص له وقتًا كبيرًا"، متناسين أن هذا الأمر يسبب تدميرًا للبنية الذهنية عند الطفل ويقطع التواصل الاجتماعي.

وبين أنه مع التأسيس الخطأ لأول سبع سنوات في حياة الطفل وعزله عن المحيط الاجتماعي وعدم التحاور مع الآخرين؛ يكون الطفل غير قادر على الكلام والرد على من يتحدث معه، كما يكون الطفل ضعيف الشخصية، يخاف من أبسط الأشياء وغير قادر على مواجهتها.

وأردف أبو ركاب: إن "ما يزيد من رغبة وتمسك الأبناء بالدراسة هو ما يغرسه الوالدان في أذهانهم بأن تحصيل المراتب الأولى وأعلى الدرجات في المدرسة له الأولوية على حساب أي شيء آخر".

وتابع: "وبالتالي يقع الأبناء ضحية ما غرسه ذووهم فيهم ومع كل يوم يكبرون فيه يزيدون من الدقائق واللحظات التي يزيدونها في وقت الدراسة على حساب أمور أخرى مهمة كما هي الدراسة".

وذكر أبو ركاب أن الأبحاث والدراسات العلمية في المجال التربوي والنفسي أكدت خطورة أن يخصص الشاب والفتاة كثيرا من وقتهم للدراسة فقط، وأن لهذا الأمر آثارا نفسية مدمرة على المستوى القريب والبعيد.

وبين أن آثار هذا الأمر تبدأ في الظهور في فترة المراهقة وبعدها، خاصة عندما يبدأ الشاب والفتاة بالاختلاط في المجتمع، لافتًا إلى أن من اعتاد تخصيص كل وقته للدراسة لن يكون قادرا على التعامل مع أي صعوبات يمكن أن تواجهه في أي مجال.

وأفاد أبو ركاب أنه في حال تعرض الشاب لأي صدمة سواء في مشاعره أو في عمله أو خسارة في تجارته فإن أثرها سيكون مضاعفًا عليه لأنها ستكون أولى الخسائر التي يمر بها في حياته، مشيرًا إلى أن تركيزه في الدراسة على مدار السنوات الماضية جعله بعيدًا عن أي تجارب خاسرة، وبالتالي لن يكون على دراية بها وبكيفية التعامل معها.

وقال: "على الأهل محاولة إفهام الطفل أن النجاح جميل ولكنه يمكن في أي وقت أن يتعرض للفشل وأن النجاح ليس دائما، وإلا فإن الشاب والفتاة سيكونان معرضين للإصابة بمشكلات نفسية وقلق وتوتر دون إيجاد حلول لعلاجها".

وأضاف أبو ركاب: إن "من أكثر الأعراض التي يمكن أن يصاب بها الأبناء الذين يخصصون جل وقتهم للدراسة هو التوحد ولكن بشكل خفيف، حيث إن مرض التوحد هو عبارة عن عدم قدرة الشخص على التواصل الاجتماعي وعدم وجود ذكاء عند المصاب به".

وأردف: "ولكن في حالة من يكثرون من الدراسة على حساب أمور أخرى فإنهم يتمتعون بالذكاء ولكنهم يكونون غير قادرين على تحقيق التواصل الاجتماعي، وعندها سيشعر الأهل أن حياة الأبناء ضاعت من أجل تحقيق بعض المراتب الأولى في الدراسة والحياة العلمية".

وأشار أبو ركاب إلى أن الإناث هم من أكثر المتضررين؛ حيث يكنّ غير قادرات على تحقيق أي تواصل يفرضه عليهنّ المجتمع فيما بعد سواء في الجامعة أو بعد الزواج مع الزوج أو أهله، وهو ما يعرضها للمرور بكثير من التجارب المؤلمة والتي ستترك أثرًا سيئًا على نفسيتها.