فلسطين أون لاين

​الحاجة بلاسمه.. هجرة جديدة بعد 50 عامًا من الصمود

...
الاحتلال يسارع الزمن لبناء بؤر وتجمعات استيطانية بالضفة
سلفيت/ طلال النبيه:

"ياما شفنا أيام صعبة، الله يهونها ويفرجها.. وما في أحسن من الطابون وخبزاته"، بهذه الكلمات عادت الحاجة أم حسن بلاسمه في ذاكرتها إلى الماضي، مستذكرة تفاصيل حياة جميلة وصعبة، قضت نصف قرن منها في عزبة أبو البصل البالغة مساحتها 800 دونمًا، الواقعة على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الغرب من مدينة سلفيت.

وبعد 50 عامًا من الصمود والثبات، قاومت خلالها الحاجة بلاسمه أنواعًا مختلفة من التهديد والاعتداءات من جنود الاحتلال ومستوطنيه، وصلت إلى قتل ابنها محمد عام 2004، واستشهاده على أراضي العزبة خلال مقاومته لهم، لم تعد حياتها كما كانت، فالحال تغيرت وتبدلت.

وتعدُّ الحاجة بلامسه (78 عامًا)، آخر "المطرودين" من عزبة أبو البصل، لكنها تصرُّ على زيارة بيتها هناك رغم تهديدات الاحتلال لها.

تستذكر الحاجة بلاسمه وهي جالسة على سريرها في بيتها الجديد في مدينة سلفيت، تفاصيل حياتها القديمة في أرضها التي طردت منها في عزبة أبو البصل، وتقول: "لا أزال أذكر حياتنا بكلّ تفاصيلها في أرضنا، كنا نقطف الزيتون ونرعى الأغنام، ونواصل صمودنا في أرضنا في تحدٍّ للاستيطان".

وأضافت: "بعد مضي ساعات من العمل اليومي، كنت آخذ قسطًا من الراحة لأعود لإنجاز المهمة الأحب إلى قلبي، بطهي الطعام على فرن الطابون، وإعداد الخبز البلدي، استعدادًا لتناول طعام الغداء مع العائلة".

وسبق أن هددت قوات الاحتلال بلاسمه بسلب أرضها لمصلحة مشاريع استيطانية أبرزها مجمع "أرئيل الاستيطاني"، متحدية إياها بتعزيز وجودها في العزبة.

ابنها شهيد

المشهد السابق لم يتوقف عند هذا الحد، بل تجدد الاقتحام والتهديد لبيت بلاسمه، بعد وقوفها أمام فرن الطابون الخاص بها الذي استطاع 10 من الجنود الإسرائيليين هدمه بأقدامهم، إلا أنها أعادت بناءه بيديها مرة أخرى، وفق ما تذكر.

هجرة

ومع ازدياد توسع الاستيطان، أجبرت قوات الاحتلال عددًا من أهالي العزبة على الخروج منها، إلا أن إرادة الحاجة بلاسمه تخطت تلك التهديدات على مدار عشرات السنوات.

ومع توالي الأيام بدأ عدد من أفراد أسرة أم حسن بعد استشهاد نجلها محمد يتقلص؛ بزواج بناتها، ووجود منقطع لابنها الشاب الذي ينشغل في أعماله اليومية باحثًا عن قوت يومه، وسداد العجز المالي لأسرته بعد تدمير المستوطنين أرضَهم الزراعية، لتبقى وحيدة برفقة زوجها، متحدين بنادق واعتداءات المستوطنين وجنود الاحتلال.

المعاناة تشتدّ

بعد أكثر من 50 عامًا من الصبر والتحدي، توفي قبل أشهر زوج الحاجة بلاسمه، بعد صراع مع مرض ألمّ به، لتبقى وحيدة تواجه غطرسة الاحتلال ومستوطنيه.

مرت تلك السنوات سريعًا، تنوعت فيها أشكال المعاناة والألم، اضطرت بلاسمه إلى ترك بيتها والانتقال للسكن من العزبة إلى مدينة سلفيت، بعد أن طردها الاحتلال ومستوطنوه بالقوة.

رغم هذا الطرد لم تترك الحاجة العزبة بالمطلق، إذ تزورها بين فينة وأخرى، في محاولة منها للحفاظ على ما تبقى منها، ولتعيد خلالها ذكريات زمن جميل مرت بها.

تقول بعد زيارتها الأخيرة للعزبة: "عندما أذهب إلى هناك أتذكر كيف كنا نجمع الحطب من الأراضي ونعجن ونخبر على الطابون ونخرج إلى الحصيد"، لتوقف حديثها بتنهيدة ألم ألحقتها بقول: "ياما شفنا أيام صعبة، الله يهونها ويفرجها".

وتضيف: "لما زرتها آخر مرة قبل أسبوعين، عيطت كثير (بكيت)، تذكرت ابني الشهيد، وختياري، وشو كنا نعمل مع العنزات، ونطبخ جبن، وماكلين وشاربين منهم"، مستدركة حديثها بدعاء خرج من أعماق قلبها، بأن ينتقم الله لها من جنود الاحتلال الذين طردوها.

وعادت الحاجة بذاكرتها إلى الوراء عدة أشهر، بعد وفاة زوجها، مستذكرة الأكلات التي طبختها على فرن الطابون: "كنت أخبز، وأسلق بطاطا، ولحمة الضاني نشويها، مع صواني الجاج،.. فش أحسن من الطابون وخبزاته".

ووفق مختصين، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تسارع الزمن، في بناء بؤر وتجمعات استيطانية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وسط غضب شعبي وفلسطيني، وتقصير رسمي من السلطة الفلسطينية في مواجهة المشاريع الاستيطانية.