فلسطين أون لاين

تقرير مدينة استيطانية جديدة بالقدس.. إحكام الطوق واغتيال الجغرافيا الفلسطينية

...
المخطط الجديد يقضي ببناء 3380 وحدة سكنية استيطانية
غزة/ عبد الله التركماني:

لا تنفك حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن إنشاء المدن الاستيطانية شرقي القدس المحتلة، ضمن سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى فرض وقائع ديموغرافية وجغرافية واقتصادية جديدة على الأرض.

ويؤكد خبيران لصحيفة "فلسطين" أن المشروع يأتي في سياق استكمال الطوق الاستيطاني حول القدس، وعزلها عن محيطها الفلسطيني، بالتوازي مع إضعاف الاقتصاد الفلسطيني عبر مصادرة الأراضي، وخنق الإنتاج، وتعميق التبعية الاقتصادية، في مسعى واضح لدفع الفلسطينيين نحو الرحيل القسري الصامت، وإجهاض أي إمكانية حقيقية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.

وكان وزير مالية الاحتلال المتطرف بتسلئيل سموتريتش، صدّق الخميس الماضي، على مخطط لإقامة مدينة استيطانية جديدة شرقي القدس تحمل اسم "مشمار يهودا"، وتضم 3380 وحدة سكنية، في خطوة وصفها بأنها "مرتكز استراتيجي لحماية القدس من الجهة الشرقية"، رغم مخالفتها للقانون الدولي.

ويأتي القرار بعد مصادقة "الكابينت" في 11 ديسمبر الجاري على تقنين 19 مستوطنة، وفي ظل انتقادات دولية متصاعدة لسياسات التوسع الاستيطاني لما تشكّله من تهديد لفرص الحل السياسي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، بالتوازي مع تصاعد اعتداءات الجيش والمستوطنين في الضفة الغربية والقدس منذ بدء حرب الإبادة على غزة في 8 أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن استشهاد 1094 فلسطينيًا وإصابة نحو 11 ألفًا واعتقال أكثر من 21 ألفًا.

واعتبرت حركة "حماس"، تصديق سموتريتش على مخطط لإقامة مدينة استيطانية بالقدس المحتلة، تصعيدا خطيرا و"جريمة جديدة تضاف إلى سجل (إسرائيل) الحافل بانتهاكات القانون الدولي".

مخطط استراتيجي

ويقول خبير شؤون الاستيطان خليل التفكجي لصحيفة "فلسطين" إن المصادقة على إقامة مدينة استيطانية جديدة شرقي القدس ليست مشروعًا سكنيًا معزولًا، بل تأتي ضمن "مخطط استراتيجي إسرائيلي متكامل يهدف إلى استكمال الطوق الاستيطاني حول القدس وعزلها نهائيًا عن محيطها الفلسطيني"، مشيرًا إلى أن مشروع “مشمار يهودا” يشكّل حلقة جديدة في سلسلة مشاريع بدأت منذ سنوات وتهدف إلى تغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي بالقوة.

ويضيف التفكجي أن "الاستيطان شرقي القدس يستهدف ما تبقى من الامتداد الطبيعي للمدينة نحو الضفة الغربية، ويعمل على تقطيع أوصال القرى الفلسطينية ومحاصرتها بسلسلة مستوطنات وطرق التفافية، بما يجعل أي حديث عن عاصمة فلسطينية في القدس مجرد وهم سياسي".

وحول التداعيات، يؤكد التفكجي أن "هذه المشاريع تعني عمليًا خنق الوجود الفلسطيني ودفع السكان نحو الرحيل القسري، سواء عبر مصادرة الأراضي، أو منع البناء، أو فرض وقائع اقتصادية وأمنية خانقة"، لافتًا إلى أن الهدف الحقيقي "ليس توفير مساكن للمستوطنين فحسب، بل اقتلاع الفلسطينيين بهدوء وبأدوات التخطيط والقانون الإسرائيلي".

ويربط التفكجي المشروع الجديد بمشاريع استيطانية سابقة مثل “E1” وتوسعة معاليه أدوميم، معتبرًا أنها "تشكل معًا كتلة واحدة تهدف إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وتحويل التجمعات الفلسطينية إلى جزر معزولة بلا أفق للحياة أو التنمية". ويختم بالقول: "ما يجري اليوم هو تسريع لسياسة فرض الأمر الواقع، مستغلين الحرب والغياب الدولي، في محاولة لإنهاء القضية الفلسطينية من بوابة القدس".

هندسة قسرية

ويقول الخبير في شؤون الاستيطان سهيل خليلية إن المصادقة على إقامة مدينة استيطانية جديدة شرقي القدس تمثل "ضربة مباشرة للاقتصاد الفلسطيني، وليست مجرد اعتداء جغرافي أو سياسي"، موضحًا أن مصادرة آلاف الدونمات لصالح المشاريع الاستيطانية تعني عمليًا تجفيف مصادر الرزق الفلسطينية، خصوصًا في القطاعات الزراعية والتجارية المرتبطة بالأرض.

ويشرح خليلية أن "الأراضي التي تُصادر لصالح الاستيطان غالبًا ما تكون من أخصب الأراضي الزراعية أو من المواقع الاستراتيجية القريبة من الطرق والأسواق"، ما يؤدي إلى "تراجع الإنتاج الزراعي الفلسطيني، وحرمان آلاف العائلات من مصدر دخلها الأساسي، ودفعها نحو الفقر أو الاعتماد القسري على سوق العمل الإسرائيلي".

ويضيف أن الاستيطان لا يكتفي بمصادرة الأرض، بل "يفرض منظومة اقتصادية استعمارية كاملة تقوم على إضعاف الاقتصاد الفلسطيني وتعزيز التبعية"، لافتًا إلى أن "الطرق الالتفافية، والحواجز، والمناطق العسكرية المغلقة المرتبطة بالمستوطنات ترفع كلفة النقل، وتُعطّل حركة البضائع، وتخنق الاستثمار الفلسطيني، خاصة في القدس ومحيطها".

وبشأن الأثر طويل المدى، يؤكد خليلية أن "الاستيطان يسهم بشكل مباشر في خفض الناتج المحلي الفلسطيني، وتقويض أي إمكانية لبناء اقتصاد مستقل أو مستدام"، مشيرًا إلى أن "المدن الاستيطانية تُقام كجزر اقتصادية مغلقة تستنزف الموارد الطبيعية الفلسطينية، من مياه وأراضٍ، بينما يُمنع الفلسطيني من استغلالها أو حتى الوصول إليها".

ويرى خليلية أن الهدف النهائي لهذه السياسات هو "دفع الفلسطيني إلى الرحيل الصامت"، موضحًا: “حين تُصادر أرضك، ويُهدم اقتصادك، وتُغلق أمامك فرص العمل والإنتاج، يصبح البقاء ذاته عبئًا يوميًا، وهذه هي أخطر أدوات الاستيطان: القتل البطيء للاقتصاد الفلسطيني".

ويختم بالقول: "ما يجري اليوم في القدس ومحيطها هو إعادة هندسة اقتصادية قسرية للمنطقة، هدفها إحلال اقتصاد استيطاني مكان الاقتصاد الفلسطيني، وتحويل الفلسطيني من صاحب أرض ومنتِج إلى عامل هش أو لاجئ اقتصادي داخل وطنه".

المصدر / فلسطين أون لاين