فلسطين أون لاين

موجة هجرة غير مسبوقة تهدّد بنية الاقتصاد الإسرائيلي

...
صورة تعبيرية
غزة/ رامي رمانة:

تشهد دولة الاحتلال خلال الأعوام الأخيرة ارتفاعًا غير مسبوق في هجرة فئة الشباب المتعلّمين، ولا سيما من الفئة العمرية بين 20 و39 عامًا، وهي الشريحة المحرّكة للنمو الاقتصادي، وصاحبة الإسهام الأكبر في قطاع التكنولوجيا والصناعة الحديثة، وفي تشكيل العمود الفقري لجيش الاحتياط.

هذه الظاهرة لم تعد، وفق خبراء الاقتصاد، مجرّد حركة بشرية طبيعية، بل تحوّلت إلى موجة هجرة عكسية واسعة النطاق، تحمل تأثيرات اقتصادية وأمنية بالغة الحساسية.

ويرى مختصون أن مستوى الهجرة الحالي يعكس أزمة بنيوية عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، تتجاوز الأبعاد الاجتماعية لتصل إلى تهديد مقوّمات الاقتصاد وموارد الدولة البشرية. فالتأثيرات لا تقتصر على التغيّر الديمغرافي، بل تمتد لتشمل النمو الاقتصادي، والقطاع التكنولوجي، والموازنة العامة، في ظل غياب رؤية حكومية قادرة على التعامل مع هذا التحدي.

ويؤكد الخبراء أن غياب خطة حكومية شاملة لمعالجة الظاهرة قد يحوّلها من أزمة هجرة مؤقتة إلى تحوّل هيكلي دائم، يضعف المكانة الاقتصادية والتنافسية لدولة الاحتلال خلال العقد المقبل، خصوصًا أن الفئة المهاجرة هي الأكثر تعليمًا وتأثيرًا في سوق العمل.

الاختصاصي الاقتصادي ثابت أبو الروس يؤكد أن التأثير المباشر يظهر بوضوح في قطاع التكنولوجيا والابتكار، وهو القلب النابض للاقتصاد الإسرائيلي، موضحًا أن خروج عشرات الآلاف من الشباب المتخصصين يعني خسارة رأس المال البشري الأعلى قيمة، نظرًا لاعتماد الشركات الإسرائيلية الكبير على الكفاءات في مجالات البرمجة، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني.

ويبيّن أبو الروس أن الدراسات الإسرائيلية تشير إلى أن كل مهندس برمجيات يهاجر يكلّف الاقتصاد ما بين 300 و500 ألف دولار من حيث الإنتاجية المستقبلية، وهو ما يشكّل خسارة كبيرة على مستوى الدولة والشركات على حد سواء. وأضاف أن الإعلام العبري بات يتناول خطورة الظاهرة على نطاق واسع، عبر تقارير تكشف تقليص مشاريع داخل الاحتلال ونقل أقسام البحث والتطوير إلى أوروبا والولايات المتحدة، في مؤشر على تراجع الثقة ببيئة العمل الإسرائيلية.

وأشار إلى أن استمرار هذه الوتيرة قد يُفقد دولة الاحتلال موقعها في سوق الابتكار العالمي، ويجعلها أقل قدرة على المنافسة في الصناعات المتقدمة التي شكّلت لعقود أحد أهم مصادر قوتها الاقتصادية.

من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي خالد أبو عامر أن الحرب وتداعياتها خلقت حالة غير مسبوقة من انعدام اليقين السياسي والأمني داخل المجتمع الإسرائيلي، ما دفع كثيرًا من العائلات إلى التفكير في الهجرة بوصفها خيارًا استراتيجيًا طويل الأمد.

وأكد أن من تمكن من المغادرة خلال الفترة الماضية تبعه آخرون يبحثون اليوم عن أماكن أكثر استقرارًا في أوروبا وأمريكا الشمالية.

وأشار أبو عامر إلى أن هجرة الفئة العمرية الأكثر إنتاجًا ترفع كلفة العمالة داخل دولة الاحتلال نتيجة النقص في الكفاءات المتاحة، ما يؤدي إلى انخفاض القدرة التنافسية للشركات الإسرائيلية عالميًا، فضلًا عن دفع الاستثمارات الأجنبية إلى التوجّه نحو دول توفّر بيئة أكثر استقرارًا.

كما نوّه إلى أن هذه الهجرة تؤثّر مباشرة على الموازنة العامة، لأن فئة الشباب هي الأعلى مساهمة في دفع الضرائب، والأقل استهلاكًا للخدمات العامة.

ووفق المعطيات الرسمية، فإن كل ألف مهاجر من فئة الشباب يقابله فقدان سنوي يقارب 70 مليون شيكل من الإيرادات الضريبية، وهو رقم يعكس حجم الضغط المتوقع على المالية العامة خلال السنوات المقبلة.

 

 

المصدر / فلسطين أون لاين