أمام أزمة الكهرباء المزمنة، يطرح الغزيون أسئلة يومية عن سبل إنهائها من خلال حلول جذرية يرى مدير مؤسسة "بال ثينك" للدراسات الإستراتيجية عمر شعبان، أن أحدها يكمن في فسخ عقد محطة التوليد.
"محطة التوليد المنشأة في عام 2000 بعقد احتكاري مدة 20 سنة لم يمر بالقنوات الشرعية"؛ بهذا يبدأ شعبان حديثه مع صحيفة "فلسطين"، عن أكثر القضايا الحياتية التي تشغل بال أهالي قطاع غزة في هذه المرحلة.
ويضيف أنه "قيل عن هذا العقد الكثير، وهو يفرض على السلطة أن تدفع مليونين ونصف مليون دولار شهريا، خُفِّض إلى مليونين قبل نحو عامين أو ثلاثة، يُدفعان بغض النظر عن الطاقة المولدة وكمية الوقود المحروقة وهذا عقد غير طبيعي وغير منطقي وهناك شبهات فساد"، لافتًا إلى أن هذا العقد غير موجود في أي مكان.
ويعتبر أن "أحد الحلول لمشكلة الكهرباء هو فسخ هذا العقد، والانتهاء منه تماما"، قائلا: "أنا مع وقف العمل بهذا العقد السيئ".
ويؤكد شعبان أن القانون الدولي يسمح بفسخ عقود تمت بشكل ظالم، مدللا على ذلك بعقد الغاز بين مصر و(إسرائيل) في عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، تم فسخه بعد ذلك "لأنه عقد سيئ وظالم".
ويوضح أن بإمكان نقابة المحامين أو منظمات المجتمع المدني أن تتوجه للقضاء الدولي وتطلب "فسخ العقد الظالم وعشرات العقود الأخرى"، مبينا أن الفلسطينيين يعيشون "حالة احتكار" استنزفتهم في قطاعات مختلفة لمدة 20 سنة من بينها الكهرباء والاتصالات والاسمنت والوقود والتبغ وغيرها.
وينبه في الوقت نفسه، إلى أن "أحد التداعيات الخطيرة" لإنشاء محطة الكهرباء في غزة، أنها أشعرت "الجميع بالكسل"، على اعتبار أن هناك محطة ولا داعي للتفكير.
ووجود محطة التوليد- والكلام لا يزال لشعبان- "منع المجتمع والدول المانحة من التفكير ببدائل أخرى"، إذ أوجدت انطباعا لدى المجتمع الفلسطيني أنه لا داعي للبحث عن مشاريع بديلة، رغم أن التكنولوجيا في الخارج متطورة جدا، في مجال الحصول على الطاقة سواء من مصادر متنوعة من بينها الشمس والرياح ومياه البحر.
ويشدد على وجوب وقف العمل بالمحطة، وتوفير المليوني دولار لشراء كهرباء جاهزة من سلطات الاحتلال، منوها إلى أن الكيلو وات من الأخيرة ثمنه 45 أغورة، بينما من المحطة شيقل و20 أغورة، أي نحو ثلاثة أضعاف.
ووفقًا للخبير الاقتصادي، فإن سلطات الاحتلال تبيع للقطاع الآن 120 ميجا وات دون انقطاع، مشيرا إلى أن "غزة ما زالت تحت الاحتلال حسب القانون الدولي، ومن مصلحتنا كفلسطينيين أن نثبت أن قطاع غزة ما زال تحت الاحتلال، لأن هذا يلزم الاحتلال بالتزامات نص عليها القانون الدولي".
أسباب أخرى
ويقول شعبان، إن هناك أسبابا عدة لهذه الأزمة، منها له علاقة بتأسيس قطاع الكهرباء.
ويضيف: "نتحدث هنا عن العقد سيئ السمعة بين السلطة والمحطة، وقصر نظر في ذلك الوقت، أن (إسرائيل) عرضت على السلطة الفلسطينية في بداية عهدها أن تمد خطا يزود القطاع كله بالكهرباء، وكانت هناك اقتراحات أن (إسرائيل) تحسن الشبكة من المجدل لغزة، وتساهم السلطة والدول المانحة في ذلك.
ويتابع: "كان هناك نوع من السذاجة والمشاعر الجياشة والمزايدة الوطنية، لأننا في واقع الحال نستورد معظم الاحتياجات من (إسرائيل) بما فيه الوقود لمحطة التوليد، لذا فقد كان من الأفضل لو تم ربط قطاع غزة بالكهرباء الإسرائيلية، كان ذلك سيلزم (إسرائيل) بمواصلة مد الكهرباء المشتراة منها، وبنفس الوقت سيتصف ذلك بالانتظام، لأن الكهرباء فيها منتظمة وثابتة".
كما أن السلطة الفلسطينية- يواصل شعبان حديثه- "منذ تأسيسها لم تعط اهتماما كافيا لبرامج تطوير مصادر متنوعة للطاقة التقليدية أو المتجددة"، موضحا أن الكهرباء ضرورية لا غنى عنها كاحتياجات الأكل والشرب تنمو مع نمو الإنسان والسكان، والكهرباء ليست مشكلة اليوم فقط، بل ستواجه الفلسطينيين كل يوم لأن الناس يزيدون واحتياجات الصناعة والتجارة والسياحة تزداد أيضا.
وبناء على ذلك، يعتقد أنه حتى لو رفع الحصار وانتهى الانقسام فإنه ستظل هناك مشكلة كهرباء، مؤكدا ضرورة البحث الدائم عن الحلول لمواجهة الاحتياجات الحاضرة والمستقبلية.
ويعتقد مدير "بال ثينك" أن الانقسام كان له دور في تفاقم الأزمة، قائلا: "بعد الانقسام بدأت تتضح المشكلة بشكل فاضح وكبير وأصبحت كارثة، الانقسام كان سببا أساسيا في عدم تطوير هذا القطاع وأصبحت قضية الكهرباء محطة تجاذب واستقطاب سياسي، ومحط اتهامات متبادلة بين قطبي الانقسام"؛ وفق تعبيره.
ويوضح أن "هناك أسبابا أخرى مثلا شركة التوزيع تم إنشاؤها بشكل مشوه، ليست لها صفة قانونية، لا هي شركة حكومية ولا أهلية ولا قطاع خاص، هي تتكون من رؤساء البلديات، ولما شكلت في ذلك الوقت كتبنا عنها وقلنا: مولود مشوه ليس له مسمى قانوني"؛ وفق وصفه.
ويعرب عن اعتقاده أن "البلديات مدينة للشركة فلا يستطيعون الضغط على أنفسهم لأنهم أصحاب مصلحة. كل بلديات قطاع غزة مدينة للشركة بعشرات الملايين من الدولارات مقابل استهلاكها للكهرباء، لماذا لا يتحدثون في الموضوع؟ لأنهم أصحاب الشركة بالتالي البنية التي بنيت عليها شركة التوزيع مشوهة قانونيا"؛ وفق قوله.
وعلى صعيد حكومة رامي الحمد الله، يقول شعبان، إن الأخيرة لا تقول كم تدفع لغزة بالتفصيل وكم تستلم منها لكنها تقول إن غزة لا تجمع ما يكفي، وهذا الكلام غير كاف، إذ يجب التوضيح بشكل مفصل كم هي مساهمة السلطة تجاه غزة وكم تستلم السلطة من عوائد ضريبية على مشتريات القطاع.
ويؤكد أنه "يفترض إبعاد الكهرباء عن الاستقطاب السياسي"، وأن تكون هناك لجنة مستقلة أهلية تكون مراقبة ومسؤولة أمام الناس، تخرج كل أسبوعين بمؤتمر صحفي تقول المعلومات لهم بهذا الخصوص.
ويقترح على الجهات المسؤولة في غزة "ترك ملف الكهرباء كاملا" للسلطة الفلسطينية "ومراقبته من بعيد"، منبها إلى أنه يجب أن تتضمن موازنة السلطة برامج تنموية لتطوير قطاع الكهرباء في قطاع غزة لمواجهة الازمة حاليا ومستقبلا.
ويشدد على ضرورة "إخراج قطاع الكهرباء من دائرة الاستقطاب السياسي، وتشكيل "هيئة أهلية مستقلة" لشركة الكهرباء، ومن ثم تتم مطالبة السلطة بإدراج برامج تطوير قطاع الكهرباء في غزة ضمن خططها.
والنمو السكان في غزة- كما يقول شعبان- يستوجب التفكير بحلول حاليا ومستقبلا، لأن الكهرباء مهمة جدا وطارئة لا يستغني عنها الناس.
وعن البرامج التنموية في قطاع الكهرباء، يشير إلى أهمية التفكير بالطاقة المتجددة ومشروع الربط الثماني، وخط 161، وزيادة الكمية من (إسرائيل) من 120 إلى 240، وإقامة الحمامات الشمسية.
ويُبيِّن أن استمرار الحصار يتسبب "بكارثة"، متسائلا عن حال الكهرباء فيما إذا تمكن القطاع الخاص، من العمل بشكل أكبر وبُني 100 ألف شقة في قطاع غزة في ظل أزمة الكهرباء القائمة، "سيكون لدينا كهرباء لمدة خمس دقائق"؛ في إشارة لجدول التوزيع.
ويعتقد شعبان، أنه لا توجد هناك خطط بشأن الكهرباء، قائلا: "نحن نطالب بفك الحصار لكن هل نحن جاهزون لليوم التالي لفك الحصار؟ لا توجد لدينا خطط احتياط، لا توجد خطط استراتيجية"؛ وفق رأيه.
ويتمم: "الحلول التي تتم تعزز المشكلة أو تقدم حلولا تسكينية وليست استراتيجية".