من الأماكن غير المناسبة بتاتًا للأصحاء جسديًا ونفسيًا؛ قسم الكلى في مجمع الشفاء الطبي -أكبر مستشفيات قطاع غزة- لكنه منذ 13 سنة أصبح ملاذًا للمسن جمال الشريف، المصاب بفشل كلوي.
وينتظم الشريف (60 عامًا) بغسيل الكلى ثلاث مرات أسبوعيًا، ويقطع لأجل ذلك 8 كم من منطقة السودانية، شمال غرب القطاع الساحلي، إلى مجمع الشفاء في مدينة غزة.
ويقول لصحيفة "فلسطين": "إن قيمة المواصلات التي أسددها مقابل توصيلة للمستشفى باتت تشكل عبئًا عليّ مثلما يشكل نقص الأدوية والمستهلكات الطبية عبئًا آخر".
وتفيد وزارة الصحة في غزة أن نسبة العجز في الأدوية والمستهلكات اللازمة لأمراض الفشل والغسيل الكلوي بلغت 45 بالمئة.
وفي مرحلة سابقة، كان الشريف يستلم أدوية ومستهلكات من المستشفى للاستفادة منها طبيًا أثناء تواجده في البيت، لكن ذلك لم يعد يحدث بسبب العجز الذي يواجهه القطاع الصحي، مما يضطره إلى شرائها على حسابه الخاص.
وتقاعد الشريف من الوظيفة العمومية حديثًا، ويتقاضى 1500 شيقل، ولم تقف معاناته عند الفشل الكلوي, إذ يعاني من ضعف في عضلة القلب، وتكلفه العلاج تصل800 شيقل (200 دولار تقريبا)، كما قال.
وأشار الشريف إلى أنه جهز جميع الأوراق الثبوتية والتقارير الطبية لتقديمها للمؤسسات الدولية العاملة في غزة؛ علها توفر ما يلزم من أدوية بات غير قادر على شرائها بانتظام.
ذروة الأزمة
وزادت الإجراءات العقابية التي يفرضها رئيس السلطة محمود عباس على غزة منذ إبريل/ نيسان 2017, من وطأة الأزمات التي تعصف بالخدمات الصحية في القطاع، إذ لا ترسل الوزارة في رام الله الوقود المخصص للمولدات البديلة، والأدوية والمستهلكات الطبية، وهو ما حذر منه مدير قسم الاستقبال والطوارئ بمجمع الشفاء الطبي د. أيمن السحباني.
وقال السحباني خلال مؤتمر صحفي للهيئة الوطنية لكسر الحصار، أمس، في ميناء غزة: "الأزمة في ذروتها وتجاوزت الخطوط الحمراء، نحن بحاجة ماسة لكميات كبيرة من السولار، إذ بدأنا باستخدام المخزون الاستراتيجي".
وحذر من مواجهة المرضى في غرف العناية, الموتَ إذا ما توقفت المولدات، داعياً المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية للوقوف عند مسؤولياته.
وأوضح أن المستشفيات مكتظة بالمرضى والجرحى، إضافة إلى تأجيل 8 آلاف عملية, منها 5500 عملية في مجمع الشفاء الطبي، عوضًا عن عدم توافر البرتوكول العلاجي لمرضى السرطان.
وتشير معطيات رسمية إلى أن نسبة معدل الفقر في قطاع غزة خلال الربع الأول من العام الجاري، بلغت 53%، ويعود ذلك إلى غياب التنمية الاقتصادية بفعل الحصار الإسرائيلي، وإجراءات عباس العقابية.
وتقول المريضة أمل شاهين، التي بدأت تأتي قسم غسيل الكلى منذ بضعة أشهر، إنها لا تملك أجرة طريق الوصول إلى مجمع الشفاء.
وتضيف شاهين (45 عاما) لـ"فلسطين": "أذكر جيدًا أول مرة أجريت فيها عملية غسيل كلى في مجمع الشفاء، ووافق ذلك اليوم انطلاق مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار في 30 مارس الماضي".
وزوج شاهين مقعد, وهي أم لثلاث بنات وثلاثة أبناء، مشيرة إلى أنه لا يتوافر للعائلة مصدر دخل ثابت أو متقطع، وأن تبرعات الخيرين في غزة هي من يعينها على شراء بعض الأدوية التي تحتاجها.
وذهبت إلى القول: "توفير الأدوية وما يحتاجه المرضى لعلاجهم مطلب إنساني للحفاظ على حياتهم من الموت".
اكتظاظ المرضى
ويقول رئيس التمريض في قسم الكلى بمجمع الشفاء الحكيم أحمد أبو العطا: "مرضى الكلى يعانون من المسافة الطويلة بين منازلهم ومجمع الشفاء الذي يغطي فئة المرضى هذه في محافظتي غزة والشمال".
وأوضح أبو العطا لصحيفة "فلسطين" أن قسم غسيل الكلى في الشفاء يستقبل 450 حالة فشل كلوي، تأتي كل واحدة منها ثلاث مرات أسبوعيًا لإجراء عملية الغسيل، منبها إلى أن هذا العدد فوق قدرة القسم وإمكاناته.
وأشار إلى أن مجمع الشفاء يفتقد أدوية تساهم في تحسين أحوال مرضى الفشل الكلوي، الأمر الذي يؤثر على سير العملية الطبية.
وكان الناطق باسم وزارة الصحة د. أشرف القدرة قال لـ"فلسطين" إن حالات أجريت لها عمليات زراعة كلى في مستشفيات غزة، ربما تصاب بانتكاسة, حال استمر العجز في الأدوية والمستهلكات اللازمة لأمراض الفشل الكلوي.
وحسب الصحة، فإن مولدات الكهرباء في مستشفيات غزة بحاجة إلى 450 ألف لتر من الوقود شهريًا، لتعويض انقطاع التيار الكهربائي لمدة تتراوح بين 8-12ساعة يوميًا، بينما تحتاج إلى نحو مليون لتر شهريًا حال انقطاع التيار 16-20 ساعة يوميًا.

