فلسطين أون لاين

​"الافتراء" تكدير لحياة الأبرياء.. ونهاية فاعله النار

...
غزة/ مريم الشوبكي:

يتناقل الناس الأخبار بينهم وربما تكون غير صحيحة ولا يتثبتون من حقيقتها، بل يطلقون العنان لتأويلات وتفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، ويقعون في منزلق خطير بسبب التسرع في الحكم على الآخرين.

الداعية مصطفى القيشاوي قال إن الافتراء تكلم فيه عدد من العلماء عندما استعرضوه، فأبو هلال العسكري قال في كتابه الفروق اللغوية إن الافتراء هو "الكذب في حقِّ الغير بما لا يرتضيه"، وقال السيوطي: "الافتراء اختراع قضية لا أصل لها".

درجة كبيرة

وبين القيشاوي لـ"فلسطين" أن الافتراء هو أحد درجات الكذب الكبيرة، التي حذّر منها الإسلام في عدة مواضع من القرآن الكريم ومن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

ونبه إلى أن أصعب ما قد يتعرض له الإنسان أن يُتهم بشيء هو منه بريء، وهذا يُورث حزناً وألماً وضِيقاً في نفس المفترى عليه، وتعساً لمن يستخدم هذه الفعلة النكراء خاصة في حق من يخالفونه، وذلك إرضاءً لشهواتهم وإغاظةً لخصومهم وتشهيراً بهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال في مؤمن ما ليس فيه, أسكنه الله ردغة الخبال؛ حتى يخرج مما قال"، وردغة الخبال هي عصارة أهل النار والعياذ بالله.

وأوضح الداعية القيشاوي أن الله سبحانه وتعالى سمى هذا الأمر بالبهتان والإثم المبين فقال: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً"، فليحذر كل مسلم من انزلاقه إلى هذا المنزلق الوعر والخطير.

ونبه إلى أن الله سبحانه وتعالى نزع صفة الإيمان عن المفترين، بل ووصفهم بالكاذبين، فقال تعالى: "إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون".

وذكر الداعية القيشاوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال محذراً من هذا الفعل الخطير: "ومن رمى مؤمنًا بشيء يريد به شينه حبسه الله تعالى على جسر جهنم"، فأي عقوبة هذه التي تنتظر هذا الذي يتجرأ على الناس ويقذفهم ويفتري عليهم الافتراءات الباطلة؟!.

سوء الظن

ومن يقود إلى الافتراء هو سوء الظن حيث يحدث ظلما للآخرين، قال: "سوء الظن من آفات النفس الخطيرة التي هدمت كثيرًا من البيوت، وشتّتت شمل كثير من الأسر، وفرَّقَت بين الأزواج، وباعدت بين الأحبة".

وأوضح أن الله تعالى في محكم تنزيله أمر بتجنب سوء الظن: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ"، مضيفا: "وأي ظلم أعظم من أن تُطلّق زوجة بسبب سوء ظن زوجها بها؟، وأي ظلم أعظم من أن يُقتل إنسان بريء بسبب سوء ظن؟، وأي ظلم أكبر من أن يتم تشويه سُمعة داعية من الدعاة أو عالماً من العلماء بسبب سوء ظن؟، وأي ظلم أعظم من يُرحّل إنسان عن بلده أو يترك عمله بسبب سوء ظن؟".

التثبت

وأكد القيشاوي أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالتثبت منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن التثبت في زماننا هذا أشد أهمية وحاجةً، لما نمر به من تطور تكنولوجي وإعلامي كبير، والأخبار التي يتم تناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف مسمياتها، فهذا يجعل التثبت والتبين أكثر أهمية.

ونبه إلى أن معظم ما يدفع الناس للوقوع في هذا المنزلق الخطير هو التسرع في الحكم على الآخرين وإطلاق العنان للظنون السيئة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "التَّأَنِّي مِنَ اللَّهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ".

وأوضح القيشاوي أن (التأني من اللّه) أي التثبت في الأمور مما يحبه الله ويأمر به، لما فيه من وقاية للعبد من الزلل والخطأ، (والعجلة من الشيطان) أي من إغوائه ووساوسه، قال ابن القيم رحمه الله: (إنما كانت العجلة من الشيطان لأنها خفة وطيش وحدة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم، وتوجب وضع الشيء في غير محله).

ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" وفي قراءة أخرى "فتثبتوا"، وهذا يعطينا منهجاً في استقبال الأخبار، وعدم تصديقها مباشرة، بل التحري والتقصي عنها حتى لا نقع موقعاً نظلم فيه أبرياء، ونتهم فيه مخلصين وأنقياء.

وأشار القيشاوي إلى أن التثبت من الأخبار له أهمية بالنسبة للشخص لأنه من الممكن أن يكون في أحد الأيام في هذا الموقف، الذي يتهمه فيه الناس دون بينة أو دليل، فكيف سيكون حاله عندها؟.

وذكر أن سيدنا سليمان عليه السلام لما جاءه الهدهد بنبأ يقين، لم يأخذه على إطلاقه، بل قال له: "سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين".

الثقات الأمناء

ونصح القيشاوي أن على المسلم إذا سمع شيئاً عن أخيه المسلم أن يُحسن الظن به، وأن لا يُطلق عقله للظنون والشكوك، وأن يصد المتكلم ولا يتمادى معه، وإن كان يعرف عن صاحبه الصلاح فليدافع عنه ولا يتسرع في الحكم عليه حتى يسمع منه ويتأكد، ولذلك من أجمل القواعد التي يتم التعامل معها في هذا الأمر (اسمع مني ولا تسمع عني) فعندها يتأكد لك صحة أو بطلان ما وصل إليك من معلومة.

وشدد على أن قبول الأخبار يكون فقط من الثقات الأمناء المشهود لهم بالصلاح والتقوى، فلو جاءك رجل تعرف عنه الصلاح والإيمان وأخبرك بأمر، فينبغي أن تُحسن الظن فيه وتصدق قوله، كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما صدّق الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في كل الوقائع فسُمي "الصدّيق".

ومن أشهر القصص في التاريخ عن الافتراء، ذكر القيشاوي أن أقصاها التهمة الشنيعة التي أشاعها المنافقون في حق أمنا عائشة رضي الله عنها في حادثة سُطرت في كتاب الله وسميت بحادثة الإفك، بعد غزوة المريسيع.

وذكر الموقف الذي اتُهم فيه سيدنا يوسف عليه السلام بالفاحشة مع امرأة العزيز لولا أن الله أظهر براءته على لسان الشاهد الذي هو من أهل امرأة العزيز، وكذلك مريم عليها السلام عندما اتهموها بالوقوع في الفاحشة "وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً" لكن الله برأها بنطق ولدها عيسى عليه السلام وهو في المهد عندما قال: "قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً".

وبين القيشاوي أن سعيد بن زيد رضي الله عنه اتهم أنه أخذ شيئاً من أرض جارته، فدعا ربه قائلاً: "اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها في أرضها" فما ماتت حتى ذهب بصرها ووقعت في حفرة في أرضها فماتت.