فلسطين أون لاين

جريمة أمام مرأى العالم.. رصاصة قناص في رأس الطفل "عثمان"

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

طفل فلسطيني لا يتجاوز 15 عامًا كان هدفًا لقناصة جنود الاحتلال، المدججين بالسلاح خلف السياج الفاصل شرق غزة.

رصاصة متفجرة انطلقت من فوهة بندقية قناص احتلالي، واستقرت في رأس الطفل عثمان رامي حلس، جريمة وثقتها عدسات الكاميرات وكانت على مرأى ومسمع من العالم، في 13 تموز (يوليو) 2018م.

صوت الرصاصة التي استقرت في رأس الطفل عثمان سمعه المحيطون به، كانوا فتاتين ومجموعة من الفتية يلوحون بأعلام فلسطين، على الفور حاول أحدهم إسعاف ذلك الطفل ونقله إلى سيارة الإسعاف، والبقية ابتعدوا خوفًا من رصاصة أخرى.

نقل الطفل بسيارة الإسعاف إلى مستشفى الشفاء في محاولة لإنقاذ حياته، مرت من أمام منزله الذي لا يبعد سوى مئات الأمتار عن مخيم العودة، كان والد عثمان يجلس هو وشقيقه أمام المنزل، لفت انتباههما سرعة سيارة الإسعاف الكبيرة، يحدث والد عثمان شقيقه: "لولا أن الحالة مخطرة جدًّا لما كان بهذه السرعة"، ولا يدري أن المصاب هو طفله.

لم تمض سوى دقيقتين حتى تلقى شقيقه اتصالًا هاتفيًّا، أخبروه بإصابة ابن أخيه، لكنه أخفى ذلك عن شقيقه: "ابنك مخبوط"، لكن هذه الرواية التي كانت بهدف تخفيف وقع الصدمة لم تقنع والد الطفل، الذي بدأت الهواجس الداخلية تسيطر عليه، وتبث الخوف في قلبه، وبدأت الاتصالات تنهال على هاتفه، لكن أخاه منعه من الرد، وكان ينوب عنه بالإجابة عن المتصلين، ليخرجه عن صمته: "مستشهد ولا مصاب؟، إيش في؟!".

ذهبا إلى المشفى لمعرفة مدى خطورة الإصابة، وقبل الوصول إلى المشفى تلقى الوالد اتصالًا من صديقه أبلغه فيه باستشهاد عثمان رامي حلس، ليكون مع اللحظة التي حاول الجميع إخفاءها عنه، ويواجه حقيقة مصير صعب بفراق نجله الطفل، فنزل من السيارة وذهب بقدميه إلى ثلاجات المشفى ليجده ممددًا فيها.

أما والدة الطفل فكانت في زيارة عائلية، بمجرد أن أخبرها زوجها في البداية أنه مصاب انفعلت غاضبة: "حاسة غير يجرى إله حاجة"، لتصدم بعد ذلك باستشهاده في المشفى، ويكتوي قلبها بألم الفراق، كحال غيرها من آلاف الأمهات الفلسطينيات اللاتي أوجع الاحتلال قلوبهن بقتله أبناءهن.

والد الشهيد الطفل لا ينقطع عن تكرار مشاهد مقطع الفيديو الذي وثق جريمة ابنه وجنود الاحتلال يقومون بقنصه، "الفيديو يوجع القلب وأنا أكرر مشاهدة الفيديو لأرى بشاعة الجريمة الإسرائيلية بحق طفلي"؛ كما يقول.

صوت البلبل

بجانبه صورة طفله المدلل، كانت عينا والد الشهيد ترسمان لوحة من جراح وغضب في الوقت نفسه وهو يعلق على هذه الجريمة: "الاحتلال لا يفرق بين شاب ومرأة وطفل"، متسائلًا بنبرة صوت غاضبة: "ما الخطر الذي شكله على جنود مدججين بالسلاح؟!، كانوا يستطيعون تحذيره، بدلًا من إطلاق رصاصة بالرأس، ابني طفل حتى لو قفز داخل السلك (السياج الاحتلالي الفاصل)".

سيفتقد هذا البيت صوت الطفل، الذي كان كالطيور الجميلة يغرد في أرجاء المنزل كافة، ربما سيبقى صداه يتردد في قلوبهم، وطيفه يحوم فيه يذكرهم بعثمان، الطفل المحبوب لدى الجميع هنا، حرمتهم تلك الرصاصة حركاته الكثيرة، ومساعدة والدته في شؤون البيت، والضحك؛ فهو معروف بمزاحه مع الجميع.

شقيق عثمان الأصغر كان يجلس بجوار والده، متحدثًا عن رحلتهم الأخيرة يوم وقوع الجريمة الاحتلالية، فقد كانوا قبلها يمارسون السباحة في أحد المسابح، قال لهم عثمان _وكأن حدسًا داخليًّا أخبره_: "اليوم أنا يا إما حتصاوب أو حستشهد"، تفاجأ جميع الأطفال بكلامه.

بعدها عادوا من الرحلة، والتقى الأب وابنه قبل الذهاب إلى صلاة الجمعة عند الحلاق، هذا الطفل المعروف عنه بأنه صاحب جرأة في المزاح مع الكبير والصغير في هذا اليوم كان هادئًا، تناول الجميع الغداء، وذهب عثمان الذي شارك في جميع المسيرات، حتى في الأيام العادية لمخيم العودة، ذهب ولم يعد، ارتقت روحه الطاهرة، طفل في ربيعه الـ15 اختلطت دماؤه بتراب الأرض، وصعدت روحه إلى السماء.