فلسطين أون لاين

​محمد صديق الحيوان

...
غزة/ حنان مطير:

في ساحة أبراج الكرامة بغزّة يجتمع الأطفال والفتيةُ يركلون الكرةَ تارةً وأخرى يركضون، وفي زاويةٍ من تلك الساحة يجلس الطفل محمد محسن -11 عامًا- وقد حمل على كفّه الهادئة "كتكوتًا" باهت الصّفار مبلّلًا بالماء، ومن حول محمد عددٌ من الصغار يمرحون وينظرون إليه.

بمجرّد أن لمحْتُه تذكّرت أحد المشاهد المؤلمة الذي ما يزال محفورًا في ذاكرتي منذ سنوات طويلة وفيه وضع الصغار المفرقعات الناريّة في منقار كتكوت بائس وراحوا يركلونه بأقدامهم كالكرة، وهو يترنَح بدمِه، حتى كتبتُ فيهم قصةً بعنوان "أطفالٌ بلا براءة".

المهم، أنني اقتربت من ذلك الصغير وسألته مُفترضةً حُسْنَ النيّة: "ماذا تفعل بالكتكوت؟" فأجاب بهدوء:" أُشَمِّسه.."، سعدتُ لذلك، وسألته من جديد:" مم تُشمّسه؟ ردّ: من الماء طبعًا، ابتسمتُ وأخبرته أنني أقصد "كيف وصَلَتْ إليه الماء؟ فأنا أرى بوضوح أن الماء قد ملأت ريشه الخفيف وأنه يبدو بردانًا جدًا، فأجابني بسؤال جديد متذمّرًا:" هو تحقيق يعني؟!"، قلت له ضاحكةً:" بل تقرير لصحيفة "فلسطين" وأنت على ما يبدو ولدٌ حنون وتحب الطيور وتستحق أن نصورك وتكون صاحب قصة ليقتدي بك الأطفال".

ابتسم محمد وأخفض رأسه بحياءٍ قليلًا، بينما بدأ الأطفال من حولِه يهلّلون "هييييي صورة محمد بدها تطلع بالجريدة".

أخبرني محمد أنه يحب الطيور والحيوانات كثيرًا، ولا يحتمل أن يرى أحدًا يضرب قطةً أو كلبًا، هنا يندفع أحد أصدقائه ليروي لنا قصةً عن محمد يؤكّد فيها أنه صاحب قلبٍ حنون فيقول:" ذات مرة أمسكتُ حذاءً وكنت سأرميه على إحدى القطط المزعجة في هذه الأبراج، وحينها رمى محمد نفسَه عليّ وأمسك يديّ الاثنتين وراح يرجوني ألا أضربَها، وقد استغرب الجميع من تصرّفه".

أما أخاه صهيب -13 عامًا- فيروي أنّه استيقظ اليوم على شيءْ يدغدغ وجهَه، فكان ذلك الكتكوت الذي يحمله محمد.

فمحمد كما يُوضّح لـ"فلسطين" قد صنع بيتًا من الكرتون لهذا الكتكوت وصمّم له نافذةً وبابًا صغيرًا، ليخرج منه وقتما شاء، وفي الصباح يُشمِّسه لأنه يبلل نفسَه كلما شرب الماء، وحتى دون أن يشرب الماء فإن لم يتعرض للشمس يموت – وفق قولِه-.

إذًا أنت تمتلك خبرةً في تربيتِها؟ يبتسم ويردّ: " كنت أربّي عددًا كبيرًا من قبل، وحين تكبر أقدّمها لجدتي هديّة تسرح وتمرح في أرضِها".

ويعبر:" "أحب أن تبقى الحيوانات والطيور حرةً، فهي تشعر وتحسّ مثلنا، وإنني حينما أمسكها وأحملها أشعر وكأنني أحمل طفلًا صغيرًا بحاجة للرعاية والاهتمام". ويعلق:" لو تركته وابتعدت يبدأ "يُصوصِو" كمن ينادي عليّ، ولو اقتربت يلحقني كمن يريدني أن ألعب معه".

في قصتي القديمة "أطفال بلا براءة" حين سألتُ عمّن يكون آباء أولئك الأطفال ومن أيّ طينةٍ هم؟ أجابوني أنهم أبناء تلك العائلة وأشاروا إليها في زاويةٍ من الحارة، وكنت أعلم والجميع في الحارةِ يعلمون أنّ تلك العائلة تنعدم فيها الأخلاق ويكثر فيها شرب الخمر، فربطتُ بين تربية الأولاد وسلوكهم.

وحين سألت عن والديّ محمد أجابني:" هم أغلى ما لديّ، إننا نحب بعضنا كثيرًا، وهما حنونان جدًا علينا، دائمًا نلعب في البيت مع بعضنا البعض، نلعب "الشَّدَّة.. هاندرِمي"، والغميضة، و"قلول"، وكل ما يخطر على البال".

وقال:" إنهما لا ينزعجان من تربيتي للكتاكيت أو القطط بل ينصحانني بالاهتمام بها وأن أرحمها كي يرحمني الله، ويخبرانني أنني أتحمل مسئوليتها أمام الله ما دامت في بيتي وبين يديّ".

وللصغير محمد الذي يحب سماع أصوات صيصانه؛ثلاث قطط وقد أسماهنّ زعتر وبيسو وسُكّر، ودّعته وقلت له:" إذًا سأسميّك "محمد صديق الحيوان" وستكون صديقنا الرائِع في صحيفة "فلسطين".